القرينة الثانية : ذيل الحديث ، وهو قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه » وفي جملة من طرقه بزيادة قوله : « وانصُر من نصره ، واخذُلْ من خذله » أو ما يؤدّي مؤدّاه ، وقد أسلفنا ذكر الجماهير الراوين له ، فلا موجب إلى التطويل بإعادة ذكرهم ، ومرّ عليك في ذكر الكلمات المأثورة حول سند الحديث ( ص ٢٦٦ ـ ٢٨١ ) بأنّ تصحيح كثير من العلماء له مصبُّه الحديث مع ذيله ، وفي وسع الباحث أن يقرّب كونه قرينةً للمدّعىٰ بوجوه لا تلتئم إلّا مع معنى الأولويّة الملازمة للإمامة :
أحدها : أنَّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لمّا صدع بما خوّل الله سبحانه وصيّه من المقام الشامخ بالرئاسة العامّة على الأمّة جمعاء ، والإمامة المطلقة من بعده ، كان يعلم بطبع الحال أنَّ تمام هذا الأمر بتوفّر الجنود والأعوان وطاعة أصحاب الولايات والعمّال مع علمه بأنّ في الملأ من يحسده ، كما ورد في الكتاب العزيز(١) ، وفيهم من يحقد عليه ، وفي زُمَر المنافقين من يضمر له العداء لأوتار جاهليّة ، وستكون من بعده هنات تجلبها النهمة والشرَه من أرباب المطامع لطلب الولايات والتفضيل في العطاء ، ولا يدع الحقّ عليّاً عليهالسلام أن يسعفهم بمبتغاهم ؛ لعدم الحنكة والجدارة فيهم فيقلبون عليه ظهر المجنّ ، وقد أخبر صلىاللهعليهوآلهوسلم مجمل الحال بقوله : « إن تُؤمّروا عليّاً ـ ولا أراكم فاعلين ـ تجدوه هادياً مهديّاً » ، وفي لفظ : « إن تستخلفوا عليّاً ـ وما أراكم فاعلين ـ تجدوه هادياً مهديّاً » راجع ( ص ١٢ و ١٣ ) من هذا الكتاب.
فطفق صلىاللهعليهوآلهوسلم يدعو لمن والاه ونصره ، وعلىٰ من عاداه وخذله ؛ ليتمّ له أمر الخلافة ، ولِيعلم الناس أنَّ موالاته مَجلبة لموالاة الله سبحانه ، وأنَّ عداءه وخذلانه مدعاة لغضب الله وسخطه ، فيزدلف إلى الحقّ وأهله ، ومثل هذا الدعاء بلفظ العامّ لا يكون إلّا في من هذا شأنه ، ولذلك إنَّ أفراد المؤمنين الذين أوجب الله محبّة بعضهم
___________________________________
(١) في قوله : ( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ ) [ النساء : ٥٤]. أخرج ابن المغازلي في المناقب [ ص ٢٦٧ ح ٣١٤ ] ، وابن أبي الحديد في شرحه : ٢ / ٢٣٦ [ ٧ / ٢٢٠ خطبة ١٠٨ ] ، والحضرمي الشافعي في الرشفة : ص ٢٧ : أنَّها نزلت في عليّ وما خُصّ به من العلم. ( المؤلف )