وقال : « قومي حديثو عهدٍ بالجاهليّة » ، فنزلت : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ ) الآية.
هذه كلّها تنمُّ عن نبأ عظيم كان يخشىٰ في بثِّه بوادر أهل النفاق وتكذيبهم ، فالذي كان يحاذره صلىاللهعليهوآلهوسلم ويتحقّق به القول بأنّه حابى ابن عمِّه يستدعي أن يكون أمراً يخصُّ أمير المؤمنين ، لا شيئاً يشاركه فيه المسلمون أجمع من النصرة والمحبّة ، وما هو إلّا الأولويّة بالأمر وما جرىٰ مجراها من المعاني.
القرينة الحادية عشرة : جاء في أسانيد متكثِّرة : التعبير عن موقوف يوم الغدير بلفظ النصب ، فمرّ ( ص ٥٧ ) عن عمر بن الخطّاب : نصب رسول الله عليّاً عَلَماً ، و ( ١٦٥ ) عن عليّ عليهالسلام « أمر الله نبيّه أن ينصبني للناس ... » وفي قوله الآخر في رواية العاصمي كما تأتي : « نَصَبني عَلَماً » ، ومرّ ( ص ١٩٩ ) عن الإمام الحسن السبط : « أتعلمون أنَّ رسول الله نصبه يوم غدير خُمّ » و ( ص ٢٠٠ ) عن عبد الله بن جعفر : ونبيّنا قد نصب لأُمّته أفضل الناس وأولاهم وخيرهم بغدير خُمّ ، و ( ص ٢٠٨ ) عن قيس بن سعد : نصبه رسول الله بغدير خمّ ، و ( ص ٢١٩ ) عن ابن عبّاس وجابر : أمر الله محمداً أن ينصب عليّاً للناس ، فيخبرهم بولايته ، و ( ص ٢٣١ ) عن أبي سعيد الخدري : لمّا نصب رسول الله عليّاً يوم غدير خُمّ ، فنادىٰ له بالولاية.
فإنّ هذا اللفظ يعطينا خُبراً بإيجاد مرتبةٍ للإمام عليهالسلام في ذلك اليوم لم تكن تُعَرف له من قبلُ غير المحبّة والنصرة ، المعلومتين لكلِّ أحد ، والثابتتين لأيّ فرد من أفراد المسلمين ، علىٰ ما ثبت من اطِّراد استعماله في جعل الحكومات وتقرير الولايات ، فيقال : نصب السلطان زيداً والياً على القارّة الفلانيّة ، ولا يقال : نصبه رعيّة له أو محبّاً أو ناصراً أو محبوباً أو منصوراً به علىٰ زنة ما يتساوىٰ به أفراد المجتمع الذين هم تحت سيطرة ذلك السلطان.
مضافاً إلىٰ مجيء هذا اللفظ في غير واحد من الطرق مقروناً بلفظ الولاية أو متلوّاً بكونه للناس أو للأُمّة.