قوله : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) الآية.
يُعطينا هذا اللفظُ خُبراً بأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم صدع في كلمته هذه بفريضة لم يسبقها التبليغ ، ولا يجوز أن يكون ذلك معنى المحبّة والنصرة لسبق التعريف بهما منذ دهر كتاباً وسنّة ، فلم يبقَ إلّا أن يكون معنى الإمامة الذي أخّر أمره حتىٰ تُكتسح عنه العراقيل ، وتُمرّن النفوس بالخضوع لكلِّ وحي يوحىٰ ، فلا تتمرّد عن مثلها من عظيمة تجفل عنها النفوس الجامحة ، وهي الملائمة لمعنى الأَولىٰ.
القرينة الرابعة عشرة : تقدّم ( ص ٢٩ و ٣٦ ) في حديث زيد بن أرقم بطرقه الكثيرة :
إنَّ ختَناً له سأله عن حديث غدير خمّ ، فقال له : أنتم أهل العراق فيكم ما فيكم.
فقلت له : ليس عليك منّي بأس.
فقال : نعم ، كنّا بالجُحفة فخرج رسول الله ....
ومرّ ( ص ٢٤ ) عن عبد الله بن العلاء أنَّه قال للزهري لمّا حدّثه بحديث الغدير : لا تحدّث بهذا بالشام. وأسلفناك ( ص ٢٧٣ ) عن سعيد بن المسيّب أنَّه قال : قلت لسعد بن أبي وقّاص : إنّي أريد أن أسألك عن شيء وإنّي أتّقيك. قال : سل عمّا بدا لك فإنّما أنا عمّك ....
فإنّ الظاهر من هذه
كلّها أنَّه كان بين الناس للحديث معنىً لا يأمن معه راويه من أن يصيبه سوءٌ أولدته العداوة للوصيِّ ـ صلوات الله عليه ـ في العراق وفي الشام
، ولذلك إنَّ زيداً اتّقىٰ خَتَنه العراقيّ ، وهو يعلم ما في العراقيِّين من
النفاق والشقاق يوم ذاك ، فلم يُبدِ بسرِّه حتىٰ أمن من بوادره ، فحدّثه بالحديث ، وليس من
الجائز أن يكون المعنىٰ ـ حينئذٍ ـ هو ذلك المبتذل لكلّ مسلم ، وإنَّما هو معنىً ينوء
بعبئه