فهل يجد الباحث مساغاً لاحتمال وقوع هاتيك النقم على القوم ، وتشديد الإمام عليهالسلام بالدعاء عليهم لمحض كتمانهم معنى النصرة والحبِّ العامّين بين أفراد المجتمع الدينيّ ، فكان من الواجب إذن أن تصيب كثيراً من المسلمين الذين تشاحنوا ، وتلاكموا ، وقاتلوا ، فقمّوا جذوم (١) تَينِك الصفتين ، وقلعوا جذورهما ، فضلاً عن كتمان ثبوتهما بينهم ، لكنّ المنقِّب لا يرىٰ إلّا أنَّهم وُسموا بِشِيَةِ العار ، وأصابتهم الدعوة بكتمانهم نبأً عظيماً يختصّ به هذا المولى العظيم ـ صلوات الله عليه ـ وما هو إلّا ما أصفقت عليه النصوص ، وتراكمت القرائن من إمامته وأولويّته على الناس منهم بأنفسهم.
ثمّ إنَّ نفس كتمانهم للشهادة لا تكون لأمر عاديّ هو شرع سواء بينه وبين غيره ، وإنَّما الواجب أن تكون فيه فضيلة يختصُّ بها ، فكأنّهم لم يرُقْهم أن يتبجّح الإمام بها ، فكتموها ، لكن الدعوة الصالحة فضحتهم بإظهار الحقِّ ، وأبقت عليهم مثلبة لائحة علىٰ جبهاتهم وجنوبهم وعيونهم ما داموا أحياء ، ثمّ تضمّنتها طيّات الكتب فعادت تلوكها الأشداق ، وتتناقلها الألسن حتىٰ يرث الله الأرض ومن عليها.
القرينة الثامنة عشرة : مرّ بإسناد صحيح ( ص ١٧٤ و ١٧٥ ) في حديث مناشدة الرحبة من طريق أحمد والنسائي والهيثمي ومحبّ الدين الطبري :
أنَّ أمير المؤمنين عليهالسلام لمّا ناشد القوم بحديث الغدير في الرحبة شهد نفر من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم بأنّهم سمعوه منه.
قال أبو الطفيل : فخرجت وكأنّ في نفسي شيئاً (٢) ، فلقيت زيد بن أرقم ، فقلت له : إنّي سمعت عليّاً رضياللهعنه يقول : كذا وكذا ، قال : فما تنكر ؟ قد سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول له ذلك.
___________________________________
(١) جمع جذم ، وهو الأصل.
(٢) كذا في لفظ أحمد ، وفي لفظ النسائي : وفي نفسي منه شيء ، وفي لفظ محبّ الدين : وفي نفسي من ريبة شيء. ( المؤلف )