وهما يشهدانه ويعرفانه ؟ فأين أولئك الرجال ليجابهوا من مرّت عليك كلماتهم من أنَّ الولاية الثابتة لمولانا بنصِّ يوم الغدير تثبت له في ظرف خلافته الصوريّة بعد عثمان ؟ أوَ ما كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يعرف المتقدِّمين على ابن عمّه ، ويشهد موقفهم ، ويعلم بمقاديرهم من الحنكة ؟ فلماذا خصّ النصّ بعليّ عليهالسلام بعدما خاف أن يُدعىٰ فيجيب ، وأمر الملأ الحضور أن يبايعوه ، ويبلّغ الشاهد الغائب (١) ؟ ولو كان يرىٰ لهم نصيباً من الأمر فلماذا أخّر البيان عن وقت الحاجة ؟ وهو أهمُّ فرائض الدين ، وأصلٌ من أصوله ، وبطبع الحال أنَّ الآراء في مثله تتضارب ـ كما تضاربت ـ وقد يتحوّل الجدال جلاداً ، والحوار قتالاً ، فبأيِّ مبرِّرٍ ترك نبيُّ الرحمة أُمّته سُدىً في أعظم معالم الدين ؟
لم يفعل نبيّ الرحمة ذلك ، ولكن حسن ظنِّ القوم بالسلف الماضين العاملين في أمر الخلافة ، المتوثّبين علىٰ صاحبها لحداثة سنّه وحبّه بني عبد المطّلب ـ كما مرّ ( ص ٣٨٩ ) ـ حداهم إلىٰ أن يزحزحوا مفاد النصّ إلىٰ ظرف الخلافة الصوريّة ، ولكن حسن اليقين برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يُلزمنا بالقول بأنّه لم يترك واجبه من البيان الوافي لحاجة الأمّة. هدانا الله إلىٰ سواء السبيل.
القربات يوم الغدير
بما أنَّ هذا اليوم يوم أكمل الله به الدين ، وأتمّ النعمة علىٰ عباده ، حيث رضي بمولانا أمير المؤمنين إماماً عليهم ، ونصبه علماً للهدىٰ ، يحدو بالأمّة إلىٰ سَنَن السعادة وصراط حقٍّ مستقيم ، ويقيهم عن مساقط الهلَكَة ومهاوي الضلال ، فلن تجد بعد يوم المبعث النبويِّ يوماً قد أُسبغت فيه النعم ظاهرة وباطنة ، وشملت الرحمة الواسعة ، أعظم من هذا اليوم الذي هو فرع ذلك الأساس المقدّس ومسدّد تلك الدعوة القدسيّة.
___________________________________
(١) تجد هذه الجمل الثلاث في غير واحد من الأحاديث فيما تقدّم. ( المؤلف )