فإذا وضح لديك ذلك فهلمَّ معي إلىٰ ما يتعقّبه ابن كثير (١) هذا الحديث ، ويحسب أنَّه حديث منكَر بل كذب ؛ لما رُوي من نزول الآية يوم عرفة من حجّة الوداع ، وإن تعجب فعجب أن يجزم جازمٌ بمنكريَّة أحد الفريقين في الروايات المتعارضة وهما متكافئان في الصحّة ، فليت شعري أيّ مرجِّح في الكفّة المقابلة لحديثنا بالصحّة ؟ وما المطفِّف في الميزان في كفّة هذا الحديث ؟ مع إمكان معارضة ابن كثير بمثل قوله في الجانب الآخر لمخالفته لما أثبتناه من نزول الآية الكريمة ، وهل لمزعمة ابن كثير مبرِّر غير أنَّه يهوىٰ أن يزحزح القرآن الكريم عن هذا النبأ العظيم ؟ وإلّا لكان في وسعه أن يقول كما قال سبط ابن الجوزي في تذكرته (٢) ( ص ١٨ ) بإمكان نزولها مرّتين ، كما وقع في البسملة وآيات أخرىٰ قدّمنا ذكرها ( ص ٢٥٧ ).
ولابن كثير في تاريخه (٣) ( ٥ / ٢١٤ ) شبهة أخرىٰ في تدعيم إنكاره للحديث ، وهي حسبان أنَّ ما فيه من أنَّ صوم يوم الغدير يعدل ستين شهراً يستدعي تفضيل المستحبّ على الواجب ؛ لأنّ الوارد في صوم شهر رمضان كله أنَّه يقابل بعشرة أشهر ، وهذا منكَرٌ من القول باطلٌ.
ويُقال في دحض هذه المزعمة بالنقض تارةً ، وبالحلِّ أخرىٰ :
أمّا النقض : فبما جاء من أحاديث جمّة لا يسعنا ذكر كلِّها بل جلّها (٤) ، ونقتصر منها على عدّة أحاديث ، وهي :
١ ـ حديث « من صام رمضان ثمّ أتبعه بستٍّ من شوّال فكأنّما صام الدهر » ، أخرج (٥) مسلم بعدّة طرق في صحيحه ( ١ / ٣٢٣ ) ، وأبو داود في سننه ( ١ / ٣٨١ ) ،
___________________________________
(١) قلّد الذهبيّ في قوله هذا ، كما يظهر من تاريخه : ٥ / ٢١٤ [ ٥ / ٢٣٣ حوادث سنة ١٠ هـ ]. ( المؤلف )
(٢) تذكرة الخواص : ص ٣٠.
(٣) البداية والنهاية : ٥ / ٢٣٣ حوادث سنة ١٠ هـ.
(٤) راجع نزهة المجالس ١ / ١٥١ ـ ١٥٨ ، ص ١٦٧ ـ ١٧٦. ( المؤلف )
(٥)
صحيح مسلم : ٢ / ٥٢٤ ح ٢٠٤ كتاب الصيام ، سنن أبي داود : ٢ / ٣٢٤ ح ٢٤٣٣ ، سنن ابن
=