الرسل وهم بالبصرة مقتله ، فكتبوا إلى الوزير ، فكتب إليهم : أن سيروا إلى من قام بعده. فساروا وأوصلوا الكتاب إلى أولاده ، فكتبوا جوابه ، فكان : للوزير أبي الحسن من إخوته ، سلام على الوزير ، فإنا نحمد إليه الله الّذي لا إله إلّا هو ، ونسأله أن يصلّي على سيّدنا محمد.
وفيه : فأمّا ما ذكر عنّا من انفرادنا عن الجماعة ، فنحن ، أيّدك الله ، لم ننفرد عن الطّاعة والجماعة ، بل أفردنا عنها ، وأخرجنا من ديارنا ، واستحلّوا دماءنا ، ونحن نشرح للوزير حالنا : كان قديم أمرنا أنّا كنّا مستورين مقبلين على تجارتنا ومعايشنا ، ننزّه أنفسنا عن المعاصي ، ونحافظ على الفرائض ، فنقم علينا سفهاء النّاس وفجّارهم ممّن لا يعرف بدين ، وأكثروا التّشنيع علينا حتّى جمع النّاس علينا ، وتظاهروا وشهدوا علينا بالزّور ، وأنّ نساءنا بيننا بالسّويّة ، وأنّا لا نحرّم حراما ، ولا نحلّل حلالا ، فخرجنا هاربين ، ومن بقي منّا جعلوا في رقابهم الحبال والسّلاسل. إلى أن قال : فأجلونا إلى جزيرة ، فأرسلنا إليهم نطلب أموالنا وحرمنا ، فمنعوناها ، وعزموا على حربنا ، فحاكمناهم إلى الله ، وقال تعالى : (وَمَنْ [عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ] (١) ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ) (٢) ، فنصرنا الله عليهم. وأمّا ما ادّعي علينا من الكفر وترك الصّلاة فنحن تائبون مؤمنون بالله.
فكتب الوزير يعدهم الإحسان (٣).
مسير المهديّ صاحب إفريقية إلى لبدة
وفيها سار المهديّ صاحب إفريقية يريد مصر في أربعين ألفاً من البربر في البرّ والبحر ، ونزل لبدة ، وهي من الإسكندريّة على أربعة مراحل. وكان بمصر تكين الخاصّة ، ففجّر النّيل ، فحال الماء بينهم وبين مصر (٤).
__________________
(١) ما بين الحاصرتين أضفته على الأصل.
(٢) سورة الحج ، الآية ٦٠.
(٣) المنتظم ٦ / ١٢١ ، ١٢٢ ، البداية والنهاية ١١ / ١٢١.
(٤) الحلّة السيراء ١ / ١٩٠ ، رسالة افتتاح الدعوة للقاضي النعمان ٢٧٤ ، الكامل في التاريخ ٨ / ٨٤ ،