ضالاً في هذه الفترة من عمره ، فهداه إلى أسباب السعادة وعرّفه وسائل الشقاء.
والالتزام بالضلالة بهذا المعنى لازم القول بالتوحيد الأفعالي ، فإنّ كل ممكن كما لا يملك وجوده وحياته ، لا يملك فعله ولا هدايته ولا رشده إلّا عن طريق ربّه سبحانه ، وإنّما يفاض عليه كل شيء منه قال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (١) ، فكما أنّ وجوده مفاض من الله سبحانه ، فهكذا كل ما يوصف به من جمال وكمال فهو من فيوض رحمته الواسعة ، والاعتقاد بالهداية الذاتية ، وغناء الممكن بعد وجوده عن هدايته سبحانه يناقض التوحيد الأفعالي الذي شرحناه في موسوعة مفاهيم القرآن. (٢)
وقد تضافرت الآيات على هذا الأصل ، وأنّ هداية كل ممكن مكتسبة من الله سبحانه من غير فرق بين الإنسان وغيره ، وفي الأوّل بين النبي وغيره ، قال سبحانه : (قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) (٣) ، وقال سبحانه : (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى* وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى) (٤) ، وقال سبحانه : (وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ) (٥) ، وقال سبحانه : (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ) (٦) ، وقال تعالى : (إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ) (٧) ، وقال تبارك وتعالى : (وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي) (٨) ، إلى غير ذلك من الآيات.
__________________
(١). فاطر : ١٥.
(٢). لاحظ الجزء الأوّل : ٢٩٧ ـ ٣٧٦.
(٣). طه : ٥٠.
(٤). الأعلى : ٢ ـ ٣.
(٥). الأعراف : ٤٣.
(٦). الشعراء : ٧٨.
(٧). الزخرف : ٢٧.
(٨). سبأ : ٥٠.