والألفاظ المفردة تنقسم قسمين : أحدهما خاصّ والآخر عامّ.
أما العام فهو ما يشترك في معرفته جمهور أهل اللسان العربى مما يدور بينهم في الخطاب ، فهم في معرفته شرع سواء أو قريب من السّواء ، تناقلوه فيما بينهم وتداولوه ، وتلقّفوه من حال الصّغر لضرورة التّفاهم وتعلّموه.
وأما الخاصّ فهو ما ورد فيه من الألفاظ اللّغوية ، والكلمات الغريبة الحوشيّة ، التى لا يعرفها إلا من عنى بها ، وحافظ عليها واستخرجها من مظانّها ـ وقليل ما هم ـ فكان الاهتمام بمعرفة هذا النوع الخاصّ من الألفاظ أهمّ مما سواه ، وأولى بالبيان مما عداه ، ومقدّما في الرتبة على غيره ، ومبدوّا في التعريف بذكره ؛ إذ الحاجة إليه ضرورية في البيان ، لازمة في الإيضاح والعرفان.
ثم معرفته تنقسم إلى معرفة ذاته وصفاته : أما ذاته فهى معرفة وزن الكلمة وبنائها ، وتأليف حروفها وضبطها ؛ لئلّا يتبدّل حرف بحرف أو بناء ببناء. وأما صفاته فهى معرفة حركاته وإعرابه ، لئلّا يختلّ فاعل بمفعول ، أو خبر بأمر ، أو غير ذلك من المعانى التى مبنى فهم الحديث عليها ، فمعرفة الذات استقل بها علماء اللغة والاشتقاق ، ومعرفة الصفات استقل بها علماء النحو والتّصريف ، وإن كان الفريقان لا يكادان يفترقان لاضطرار كلّ منهما إلى صاحبه في البيان.
وقد عرفت ـ أيدك الله وإيّانا بلطفه وتوفيقه ـ : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان أفصح العرب لسانا ، وأوضحهم بيانا. وأعذبهم نطقا ، وأسدّهم لفظا. وأبينهم لهجة ، وأقومهم حجة. وأعرفهم بمواقع الخطاب ، وأهداهم إلى طرق الصواب. تأييدا إلهيّا ، ولطفا سماويا. وعناية ربّانية ، ورعاية روحانية ، حتى لقد قال له علىّ بن أبى طالب كرم الله وجهه ـ وسمعه يخاطب وفد بنى نهد ـ : يا رسول الله نحن بنو أب واحد ، ونراك تكلم وفود العرب بما لا نفهم أكثره! فقال «أدّبنى ربّى فأحسن تأديبى ، وربّيت في بنى سعد». فكان صلىاللهعليهوسلم يخاطب العرب على اختلاف شعوبهم وقبائلهم ، وتباين بطونهم وأفخاذهم وفصائلهم ، كلّا منهم بما يفهمون ، ويحادثهم بما يعملون. ولهذا قال ـ صدّق الله قوله ـ : «أمرت أن أخاطب الناس على قدر عقولهم» ، فكأنّ الله عزوجل قد أعلمه ما لم يكن يعلمه غيره من بنى أبيه ، وجمع فيه من المعارف ما تفرّق ولم يوجد في قاصى العرب ودانيه. وكان أصحابه رضى الله عنهم ومن يفد عليه من العرب يعرفون أكثر ما يقوله ، وما جهلوه سألوه عنه فيوضحه لهم.