ومنه أن لله عبادا أطاعوه فيما أراد فأطاعهم فيما أرادوا يقولون للشيء كن فيكون (١).
وذلك لأن الكل عباد الله فإذا اختار الله عبدا ألبسه خلعة التفضيل ، ونادى له في الممالك بالتصرّف والتبجيل ، وجعل له الولاية المطلقة فصار عبدا لحضرته وخالصا لولايته ، ومولى لعباده وبريته وواليا في مملكته ، وهو المتصرّف الوالي بإذن الربّ المتعالي ، ولهذا قالوا : جنبونا آلهة تعبد ، واجعلوا لنا ربّا نؤوب إليه ، وقولوا فينا ما استطعتم (٢) وذاك كما قيل :
جنبوهم قول الغلاة وقولوا |
|
ما استطعتم في فضلهم أن تقولوا |
فإذا عدت سماء مع الأرض |
|
إلى فضلهم فذاك قليل |
وعنهم عليهمالسلام ، أنّهم قالوا : كونوا لنا زينا ، ولا تكونوا علينا شينا (٣) ، فانّه ليس بين الله وبين أحد من خلقه قرابة. ألا من ائتم بإمام فليعمل بعمله ، فما معنا براءة من النار ، وليس لنا على الله من حجّة فاحذروا المعصية لنا والمغالاة فينا ، فإنّ الغلاة شرّ خلق الله يصغرون عظمة الله ويدعون الربوبية لعباد الله ، والله إن الغلاة شرّ من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا ، وإلينا يرجع الغالي فلا نقبله لأن الغالي اعتاد ترك الصلاة والزكاة والصوم ، فلا يقدر على ترك عادته وبنا يلحق المقصر فنقبله لأنّ المقصّر إذا عرف عمل.
وعنهم عليهمالسلام أنّهم قالوا : نزّهونا عن الربوبية وارفعوا عنّا حظوظ البشرية (٤) ـ يعني الحظوظ التي تجوز عليكم ـ فلا يقاس بنا أحد من الناس (٥) ، فإنّا نحسن الأسرار الإلهية المودعة في الهياكل البشرية ، والكلمة الربّانية الناطقة في الأجساد الترابية ، وقولوا بعد ذاك ما استطعتم فانّ البحر لا ينزف ، وعظمة الله لا توصف.
فيا أيّها الواقف بين جدران التقليد ، تنظر إلى الحق من بعيد ، أما بلغك أن النبي صلىاللهعليهوآله حنّ الجذع اليابس إليه ، وقبّل البعير قدميه ، وانشق لعظمته القمر ونبع الماء الطاهر من بين يديه
__________________
(١) تقدّم الحديث مع تخريجه.
(٢) بحار الأنوار : ٢٥ / ٣٤٧ و ٢٨٣ ح ٣٠ بتفاوت. وقريب منه في بصائر الدرجات : ٢٤١ ح ٥.
(٣) بحار الأنوار : ٧١ / ٢٨٦ ح ٤١.
(٤) شرح الزيارة الجامعة : ١ / ٢٠١ بلفظ ... وادفعوا عنا ، وورد : لا تجعلونا أربابا وقولوا في فضلنا ما شئتم. البحار : ٢٦ / ٢ ح ١.
(٥) تقدّم الحديث مع تخريجه.