لوقته وصار كلبا ، فبهت من حوله ، وجعل الرجل يتضرّع إلى أمير المؤمنين عليهالسلام ويشير بإصبعه فنظر إليه وحرّك شفته فإذا هو بشر سوي ، فقام إليه بعض أصحابه وقال مالك : أنجهّز الناس إلى قتال معاوية ولك مثل هذه القدرة؟ فقال : والذي فلق الحبّة ، وبرأ النسمة ، لو شئت أن أضرب برجلي هذه القصيرة بهذه الفلوات حتى أضرب بها صدر معاوية فأقبله عن سريره لفعلت ، ولكن (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ* لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) (١).
ومن ذلك قوله لمروان بن الحكم يوم الجمل وقد بايعه : خفت يا ابن الحكم أن ترى رأسك في هذه البقعة ، كلا لا يكون ذلك حتى يكون من صلبك طواغيت يملكون هذه الأمة (٢).
ومن ذلك كلامه في كربلاء وهو في التوجّه إلى صفّين فقال : صبرا أبا عبد الله بشاطي الفرات ثم بكى ، وقال : هذا والله مناخ القوم ومحطّ رحالهم (٣).
ومن ذلك قوله بصفين وقد سمع الغوغاء يقولون : قتل معاوية ، فقال : ما قتل ولا يقتل حتى تجتمع عليه الامّة (٤).
ومن ذلك ما رواه القاضي ابن شاذان عن أبان بن تغلب عن الصادق عليهالسلام قال : كان أمير المؤمنين على منبر الكوفة يخطب وحوله الناس فجاء ثعبان ينفخ في الناس وهم يتحاودون عنه ، فقال أمير المؤمنين عليهالسلام : «وسّعوا له» فأقبل حتى رقي المنبر والناس ينظرون إليه ، ثم قبّل أقدام أمير المؤمنين عليهالسلام وجعل يتمرّغ عليها ، ونفخ ثلاث نفخات ، ثم نزل وانساب ، ولم يقطع أمير المؤمنين عليهالسلام خطبته ، فسألوه عن ذلك فقال : هذا رجل من الجن ذكر أن ولده قتله رجل من الأنصار اسمه جابر بن سبيع عند خفان (٥) من غير أن يتعرّض له بسوء وقد استوهبت دم ولده. فقام إليه رجل طوال بين الناس وقال : أنا الرجل الذي قتلت الحية في المكان المشار إليه ، وإني منذ قتلتها لا أقدر أن أستقر في مكان من الصياح والصراخ فهربت إلى الجامع ، وأنا منذ سبع ليال هاهنا.
__________________
(١) الأنبياء : ٢٦ ، والحديث في بحار الأنوار : ٣٢ / ٣٨٥ ح ٣٥٧.
(٢) مدينة المعاجز : ٢ / ٣٩.
(٣) بحار الأنوار : ٢٢ / ٣٨٦ ح ٢٨.
(٤) بحار الأنوار عن الخرائج : ٤١ / ٢٩٨ ح ٢٧ وفيه لا يهلك.
(٥) خفان موضع بالكوفة.