اللذين ما طلعا إلّا عن مكيدة ، ولا غابا إلّا عن مصيبة ، وإنهما طلعا غربا فقتل قابيل هابيل ، ولا يظهران إلّا بخراب الدنيا؟ فقال : لا أعلم ، فقال : إذا كنت لا تعلم طرق الدنيا فإنّي أسألك عن قريب ، أخبرني ما تحت حافر فرسي الأيمن والأيسر من المنافع والمضار ، فقال : أنا في علم الأرض أقصر منّي في علم السماء ، فأمر أن يحفر تحت الحافر الأيمن فخرج كنز من ذهب ، ثم أمر أن يحفر تحت الحافر الأيسر فخرج أفعى فتعلّق الحكيم فصاح يا مولاي الأمان ، فقال : الأمان بالإيمان ، فقال : لأطيلن لك الركوع والسجود ، فقال : سمعت خيرا ، فقال : خيرا أسجد لله وتضرّع بي إليه ، ثم قال : يا سهر سقيل سوار نحن نجوم القطب ، وأعلام الفلك ، وإن هذا العلم لا يعلمه إلّا نحن وبيت في الهند (١).
ومن ذلك ما رواه أحمد بن عبد العزيز الجلودي قال : خطب أمير المؤمنين عليهالسلام بالبصرة فقال : سلوني قبل أن تفقدوني ، سلوا من عنده علم المنايا والبلايا ، والأنساب في الأصلاب ، وفصل الخطاب (٢).
روى الصدوق في العيون بسنده عن أبي الصلت الهروي قال : كان الرضا عليهالسلام يكلّم الناس بلغاتهم ، وكان والله أفصح الناس بلغاتهم وأعلمهم بكل لسان ولغة ، فقلت : يابن رسول الله إنّي لأعجب من معرفتك بهذه اللغات على اختلافها ، فقال :
يا أبا الصلت أنا حجّة الله ، وما كان الله ليتّخذ حجّة على قوم وهو لا يعرف لغاتهم ، أما بلغك قول أمير المؤمنين عليهالسلام : «أوتينا فصل الخطاب [فهل فصل الخطاب] إلّا معرفة اللغات؟ أنا دابة الأرض ، أنا حي لا أموت ، وإذا مت يرث الله الأرض ومن عليها ، سلوني فإنّي لا أسأل عمّا دون العرش إلّا أجبت (٣)» ، وقوله : «عمّا دون العرش» رمز له وجوه : الأوّل منها أن العرش هو العلم ، والعرش عند علماء الحروف هو محمد ، والعرش العرش وقوله «عما دون العرش» لا يستلزم أنه لا يعلم ما وراء ذلك ، بل إن عقول البشر لا تعي القول عمّا وراء العرش ، ولا تحتمله بل تعمى دونه البصائر والأبصار.
__________________
(١) بحار الأنوار : ٣٧ / ٣٣٧ و ٤١ / ٣٣٦ ح ٥٧.
(٢) بصائر الدرجات : ٢٠١ باب انّهم جرى لهم ما جرى للرسول : ح ٣ ـ ٤.
(٣) وفي بصائر الدرجات (٤٥٤ ح ١٢) : بروح القدس علموا ما دون العرش إلى ما تحت الثرى.