آه لو أجد له حملة! قال : فقام إليه رجل في عنقه كتاب رافعا صوته : أيّها المدّعي ما لا تعلم ، المقلّد ما لا يفهم ، إنّي سائلك فأجب ، قال : فوثب إليه أصحاب علي ليقتلوه ، فقال لهم أمير المؤمنين عليهالسلام : دعوه فإنّ حجج الله لا تقوم بالبطش ، ولا بالباطل تظهر براهين الله ، ثم التفت إلى الرجل وقال : سل بكل لسانك فإنّي مجيب إن شاء الله تعالى ، فقال الرجل : كم بين المشرق والمغرب؟ فقال : مسافة الهواء ، وقال : وما مسافة الهواء؟ قال : دوران الفلك ، قال : وما دوران الفلك؟ قال : مسيرة يوم الشمس ، قال الرجل : صدقت ، قال : فمتى القيامة؟ قال : عند حضور المنيّة ، وبلوغ الأجل ، قال : صدقت ، قال : فكم عمر الدنيا؟ قال : يقال سبعة آلاف ثم لا تحديد ، قال : صدقت ، قال : فأين مكة من بكة؟ فقال : مكة أكناف الحرم وبكة مكان البيت؟ قال : ولم سمّيت مكة؟ قال : لأنّ الله تعالى مك الأرض من تحتها أي دحاها ، قال : فلم سمّيت بكة؟ قال : لأنها أبكت عيون الجبّارين والمذنبين ، قال : صدقت ، قال : وأين كان الله قبل خلق عرشه؟ فقال أمير المؤمنين : سبحان الله من لا يدرك كنه صفته حملة عرشه على قرب زمراتهم من كراسي كرامته ، ولا الملائكة المقرّبون من أنوار سبحات جلاله ، ويحك لا يقال لم ولا كيف ، ولا أين ولا متى ، ولا بم ولا حيث ، فقال الرجل : صدقت ، قال : فكم مقدار ما لبث العرش على الماء قبل خلق الله الأرض والسماء؟ فقال : أتحسن أن تحسب؟ فقال : نعم ، فقال أمير المؤمنين عليهالسلام : أفرأيت لو صبّ في الأرض خردل حتى سد الهواء وملأ ما بين الأرض والسماء ، ثم أذن لك على ضعفك أن تنقله حبة حبة من المشرق إلى المغرب ، ثم مد لك في العمر حتى نقلته وأحصيته لكان ذلك أيسر من إحصاء ما لبث العرش على الماء قبل خلق الأرض والسماء ، وانّما وصفه لك جزاء من عشر عشير جزء من مائة ألف جزء وأستغفر الله من القليل في التحديد ، قال : فحرّك الرجل رأسه ، وقال : أشهد أن لا إله إلّا الله [وأن محمدا رسول الله] (١).
يؤيّد هذا ما رواه الرازي في كتابه المسمّى بمفاتيح الغيب قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : ليلة اسري بي إلى السماء ، رأيت في السماء السابعة ميادينا كميادين أرضكم هذه ، ورأيت أفواجا من الملائكة يطيرون لا يقف هؤلاء لهؤلاء ، ولا هؤلاء لهؤلاء ، قال : فقلت لجبرائيل عليهالسلام : من
__________________
(١) بحار الأنوار : ٥٧ / ٢٣١ ح ١٨٨ عن كتاب المختصر مع تفاوت.