الفصل الثالث
في أسرار فاطمة الزهراء عليهاالسلام
فمن ذلك من أسرار مولدها الشريف ما رواه أصحاب التواريخ : أن خديجة لمّا حضرتها الولادة بعث الله عزوجل إليها عشرين من الحور العين بطشوت وأباريق وماء من حوض الكوثر ، وجاءتها مريم بنت عمران وسارة وآسية بنت مزاحم ، بعثهنّ الله يعنها على أمرها ، فلما وضعتها أشرقت الدنيا وامتلأت منها الأقطار بالطيب والأنوار ، وفاح عطر العظمة ، وامتلأت بيوت مكة بالنور ، ولم يبق في شرق الأرض ولا غربها موضع إلّا أشرق نورا ، وظهر في السماء نور أزهر لم يكن قبل هذا ، وقالت النسوة : خذيها يا خديجة طاهرة معصومة بنت نبي ، زوجة وصي ، نور وضي عنصر زكي ، أم أبرار ، حبيبة جبّار ، صفوة أطهار ، مباركة بورك فيها وفي ولدها.
ولما تناولتها خديجة قالت : أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أن أبي سيّد الأنبياء ، وأن بعلي سيّد الأوصياء ، وأن ولدي سادة الأسباط.
ثم سلمت على النسوة وسمّت كل واحدة منهن باسمها ، وبشّر أهل السماء بعضهم بعضا بولادة الزهراء ، وكانت تحدث خديجة في الأحشاء وتونسها بالتسبيح والتقديس ، وكان نورها وخلقها وخلالها وجمالها لا يعدو رسول الله صلىاللهعليهوآله (١).
ومن كراماتها على الله : أنها لما منعت حقّها أخذت بعضادة حجرة النبي وقالت : ليست ناقة صالح عند الله بأعظم منّي ، ثم رفعت جنب قناعها إلى السماء وهمّت أن تدعو فارتفعت جدران المسجد عن الأرض ، ونزل العذاب فجاء أمير المؤمنين عليهالسلام فمسك يدها وقال : يا بقية النبوّة وشمس الرسالة ، ومعدن العصمة والحكمة ، إنّ أباك كان رحمة للعالمين فلا تكوني عليهم نقمة ، أقسم عليك بالرؤوف الرحيم ، فعادت إلى مصلّاها (٢).
__________________
(١) يراجع المجلّد ٤٦ من بحار الأنوار ـ تاريخ فاطمة عليهاالسلام.
(٢) وفاة الزهراء : ٦٣ ، والاحتجاج : ٥٦ والمسترشد : ٣٨٢.