فقالت له زوجته : من أعطاك هذا؟ فقال : جعفر ، فقالت : وما قال؟ قال : قال لي : أغل ، فقالت : إنّه صادق ، فاذهب بقليل منه إلى أهل المعرفة فإنّي أشمّ منه رايحة الغنا ، فأخذ الرجل منه جزءا ومرّ به إلى بعض اليهود فأعطاه فيما حمل منه إليه عشرة آلاف درهم ، وقال له : أتيني بباقيه على هذه القيمة (١).
ومن ذلك : أن المنصور لمّا أراد قتل أبي عبد الله عليهالسلام استدعى قوما من الأعاجم يقال لهم البعرعر (٢) لا يفهمون ولا يعقلون ، فخلع عليهم الديباج المثقل ، والوشي المنسوج ، وحملت إليهم الأموال ، ثم استدعاهم وكانوا مائة رجل ، وقال للترجمان : قل لهم : إنّ لي عدوا يدخل عليّ الليلة فاقتلوه إذا دخل ، فأخذوا أسلحتهم ووقفوا ممتثلين لأمره ، فاستدعى جعفرا عليهالسلام وأمره أن يدخل وحده ، ثم قال للترجمان : قل لهم هذا عدوّي فقطعوه ، فلمّا دخل الإمام تعاووا عوي الكلاب ، ورموا أسلحتهم ، وكتفوا أيديهم إلى ظهورهم ، وخرّوا له سجدا ، ومرغوا وجوههم على التراب ، فلمّا رأى المنصور ذاك خاف ، وقال : ما جاء بك؟ قال : أنت ، وما جئتك إلّا مغتسلا محنطا ، فقال المنصور : معاذ الله أن يكون ما تزعم ، ارجع راشدا ، فخرج جعفر عليهالسلام والقوم على وجوههم سجدا ، فقال للترجمان : قل لهم : لم لا قتلتم عدو الملك؟ فقالوا : نقتل وليّنا الذي يلقانا كل يوم ويدبر أمرنا كما يدبّر الرجل أمر ولده ولا نعرف وليا سواه ، فخاف المنصور من قولهم فسرّحهم تحت الليل ، ثم قتله بعد ذلك بالسمّ (٣).
ومن كراماته عليهالسلام أن فقيرا سأله فقال لعبده : ما عندك؟ قال : أربعمائة درهم ، فقال : أعطه إياها ، فأعطاه ، فأخذها وولّى شاكرا ، فقال لعبده : أرجعه ، فقال : يا سيدي سألت فأعطيت ، فماذا بعد العطاء ، فقال له : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : خير الصدقة ما أبقت غنى ، وإنّا لم نغنك فخذ هذا الخاتم فقد أعطيت فيه عشرة آلاف درهم ، فإذا احتجت فبعه بهذه القيمة (٤).
ومن ذلك من كتاب الراوندي عن أبي عبد الله عليهالسلام أنه قال : علمنا غابر ومزبور ، ونكت في القلوب ، ونقر في الأسماع ، وعندنا الجفر الأبيض والجفر الأحمر ، ومصحف فاطمة والجامعة ،
__________________
(١) بحار الأنوار : ٤٧ / ١٥٥ ح ٢١٨.
(٢) كذا بالأصل وهي غير موجودة في البحار مع أنه ينقله عن المشارق.
(٣) بحار الأنوار : ٤٧ / ١٨١ ح ٢٧.
(٤) بحار الأنوار : ٤٧ / ٦٠ ح ١١٦.