الفصل التاسع
في أسرار أبي الحسن موسى الكاظم عليهالسلام
فمن ذلك أن الرشيد لمّا حج دخل المدينة فاستأذن عليه الناس ، فكان آخر من أذن له موسى بن جعفر عليهماالسلام ، فلما أدخل عليه دخل وهو يحرّك شفتيه ، فلما قرب إليه قعد الرشيد على ركبتيه وعانقه ، ثم أقبل عليه ، وقال : كيف أنت يا أبا الحسن؟ كيف عيالك؟ كيف عيال أبيك؟ كيف أنتم؟ كيف حالكم؟ وهو يقول : خير ، خير ، خير ، فلما قام أراد الرشيد أن ينهض فأقسم عليه أبو الحسن فقعد ، ثم عانقه وخرج ، فلما خرج قال له المأمون : من هذا الرجل؟ قال : يا بني هذا وارث علوم الأوّلين والآخرين ، هذا موسى بن جعفر ، فإن أردت علما حقّا فعند هذا (١).
ومن ذلك ما رواه أحمد البزاز قال : إن الرشيد لما أحضر موسى عليهالسلام إلى بغداد فكّر في قتله ، فلمّا كان قبل قتله بيومين ، قال للمسيب وكان من الحرّاس عليه لكنّه كان من أوليائه ، وكان الرشيد قد سلم موسى إلى السندي بن شاهك وأمره أن يقيّده بثلاثة قيود من الحديد وزنها ثلاثين رطلا قال : فاستدعى المسيب نصف الليل وقال : إنّي ظاعن عنك في هذه الليلة إلى المدينة لأعهد إلى من بها عهدا يعمل به بعدي ، فقال المسيب : يا مولاي كيف أفتح لك الأبواب والحرس قيام؟
فقال : ما عليك ، ثم أشار بيده إلى القصور المشيدة والأبواب العالية ، والدور المرتفعة ، فصارت أرضا ، ثم قال لي : يا مسيب كن على هيئتك فانّي راجع إليك بعد ساعة ، فقال : يا مولاي ألا أقطع لك الحديد؟ قال : فنفضه وإذا هو ملقى ، قال : ثم خطا خطوة فغاب عن عيني ، ثم ارتفع البنيان كما كان.
قال المسيب : فلم أزل قائما على قدمي حتى رأيت الأبنية والجدران قد خرّت ساجدة
__________________
(١) بحار الأنوار : ٤٨ / ١٣٣ ح ٦ والحديث طويل.