الفصل الحادي عشر
في أسرار أبي جعفر محمد بن علي الجواد عليهماالسلام النور المستضيء
فمن ذلك ما روي عنه أنه جيء به إلى مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآله بعد موت أبيه الرضا وهو طفل ، فجاء إلى المنبر ورقي منه درجة ، ثم نطق فقال : أنا محمد بن علي الرضا أنا الجواد ، أنا العالم بأنساب الناس في الأصلاب ، أنا أعلم بسرايركم وظواهركم ، وما أنتم صائرون إليه ، علم منحنا به من قبل خلق الخلق أجمعين ، وبعد فناء السّموات والأرضين ، ولو لا تظاهر أهل الباطل ودولة أهل الضلال ، ووثوب أهل الشك ، لقلت قولا يعجب منه الأوّلون والآخرون ، ثم وضع يده الشريفة على فيه وقال : يا محمد اصمت كما صمت آباؤك من قبل (١).
ومن ذلك ما رواه أبو جعفر الهاشمي قال : كنت عند أبي جعفر الثاني ببغداد فدخل عليه ياسر الخادم يوما وقال : يا سيّدنا إن سيدتنا أم جعفر تستأذنك أن تصير إليها.
فقال للخادم : ارجع فإني في الأثر ، ثم قام وركب البغلة وأقبل حتى قدم الباب ، فخرجت أم جعفر أخت المأمون فسلّمت عليه وسألته الدخول على أم الفضل بنت المأمون ، وقالت : يا سيدي أحب أن أراك مع ابنتي في موضع واحد فتقر عيني ، قال : فدخل والستور تشال بين يديه فما لبث أن خرج راجعا وهو يقول : (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ). (٢)
قال : ثم جلس فخرجت أم جعفر تعثر ذيولها ، فقالت : يا سيدي أنعمت عليّ بنعمة فلم تتمّها ، فقال لها : أتى أمر الله فلا تستعجلوا ، إنه قد حدث ما لم يحسن إعادته فارجعي إلى أم الفضل فاستخبريها عنه ، فرجعت امّ جعفر فأعادت عليها ما قال ، فقالت : يا عمة وما أعلمه بذاك عني ، ثم قالت : كيف لا أدعو على أبي وقد زوّجني ساحرا ، ثم قالت : والله يا عمّة إنه لما طلع عليّ جماله حدث لي ما يحدث للنساء فضربت يدي إلى أثوابي فضممتها ، فبهتت
__________________
(١) الهداية الكبرى : ٢٩٦ باب ١١ وبحار الأنوار : ٥٠ / ١٠٨ ح ٢٧.
(٢) يوسف : ٣١.