فصل
وبيان ما أشار إليه النبي وأحال عليه أن من عرف محمدا وعليا كمعرفة الله لهم ، عرف الله (١) كما عرفوه ، لكن الأوّل ممتنع فالثاني كذلك ، مثاله من القرآن : قوله سبحانه لموسى : (لَنْ تَرانِي* وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي) (٢) فعلّق الرؤية على استقرار الجبل ، واستقرار الجبل عند تجلّي نور الكبرياء محال ، فرؤية الرب الكبير المتعال بعين البصر محال. علق الممتنع على الممتنع فامتنع الثاني لا متناع الأوّل.
فمالك أيّها المرتاب كلّما وضح الدليل ازددت ضلالا عن السبيل ، وكلّما لاح ضوء الصباح وفاح أقاح الإيضاح ، زدت زكاما ، وهل هذا ضلال عن الحق وشك في عين اليقين وإمام الصدق ، فإذا كان المنافق إذا تليت عليه آيات علي أبى واستكبر ، والموافق إذا تليت عليه آياته أنكر واستكثر ، فما الفرق إذا بين من عمي وأبصر؟ ولقد أحسن من أشار إلى هذا المقام فقال :
أمير المؤمنين أراك لما |
|
ذكرتك عند ذي ثقة صغى لي |
وإن كررت ذكرك عند نغل |
|
تكدر سرّه وبغى قتالي |
فصرت إذا شككت بأصل امرء |
|
ذكرتك بالجميل من الخصال |
فها أنا قد خبرت بك البرايا |
|
فأنت محكّ أولاد الحلال |
وليس يطيق حمل ثناك إلّا |
|
كريم الأصل محمود الفعال (٣) |
وجه آخر في معنى قوله : «ما عرف الله إلّا أنا وأنت» ، وذاك أن العظمة التي رآها رسول الله ليلة المعراج واختراقه الحجب السماوية ، ووصوله إلى قاب قوسين والكلام الذي خوطب
__________________
(١) في الأصل المطبوع لفظ رجل بدل الله فتأمّل المعنى جيّدا؟!
(٢) الأعراف : ١٤٣.
(٣) كان الشعر في الأصل المطبوع مشوّها تشويها عجيبا وممسوخا عن أصله إلى حدّ بعيد.