فصل
[حقيقة الإمام والإمامة]
وإذا عرف الناس من معنى علي العلي ، إنّما شاهدوا منه ليثا جائلا ، وهزبرا صائلا ، وغضبا قاتلا ، وبليغا قائلا ، وحاكما بالحق قاضيا ، وغيثا هاملا ، ونورا كاملا ، فشهدوا صورة الجسم ، وموقع الاسم ، ذلك مبلغهم من العلم! وما عرفوا أنه الكلمة التي بها تمّت الأمور ، ودهرت الدهور ، والاسم الذي هو روح كل شيء ، والهاء التي في هوية كل موجود ، وباطن كل مشهود ، وإن الذي خرج إلى حملة العرش من معرفة آل محمد مع قربهم من حضرة العظمة والجلال كالقطرة من البحر ، وذلك لأن ذات الله تعالى غير معلومة للبشر كما مرّ ، فلم يبق إلّا معرفة الصفات ، والناس في معرفتها قسمان : قسم حظّهم منها الذكر لها والتقديس بها ، فجعلوها في السرّ أورادهم ، ومركبهم إلى مطلبهم ومرادهم ، فتجلّى عليهم نور الجمال ، من سبحات الجلال ، فصاروا في القميص البشرية ، أشخاصا سماوية ، تخضع لهم السباع ، وتذلّ لهم الضباع.
وهذا سرّ (١) تلاوة الأسماء ؛ وكذلك الناس في معرفة آل محمد ؛ قسم عرفوا أنهم أولياء الله والوسيلة إلى عفوه ورضاه ، فقدموهم في حاجتهم لديه ، وتوسّلوا بهم إليه ؛ وقسم عرفوا أنّهم الكلمة الكبرى ، والآية العظمى ، لأن أقرب الصفات إلى حضرة الأحدية ، جمال الوحدانية ؛ لأن الواحد إما أن يكون أوّل الأعداد ومنبع الآحاد ، والواحد الفاضل عن الاثنين ؛ وهو الذي لا يكون زوجا ولا فردا ؛ ذلك هو الأحد الحق .. وأما الواحد الذي هو منبع الموجودات ؛ فهو الواحد المطلق (٢) الذي لا يحدّ ولا يعدّ ؛ ولا لأمره دفع ؛ ولا لسلطانه نفاد ،
__________________
(١) في الأصل المطبوع : أثر بدلا «عن سر» النسخة الخطية.
(٢) في النسخة المخطوطة : والأمر المتصل من الواحد إلى الأحد هو روح الحق ومعنى سائر الخلق وهي الكلمة.