الصفوة ودار العصمة ، وحسدا لمعدن الرسالة والحكمة ، وزين لهم الشيطان أعمالهم فتبا لهم وسحقا ، كيف اختاروا إماما جاهلا عابدا للأصنام جبانا يوم الزحام ، والإمام يجب أن يكون عالما لا يجهل ، وشجاعا لا ينكل ، لا يعلو عليه حسب ، ولا يدانيه نسب ، فهو في الذروة من قريش والشرف من هاشم ، والبقية من إبراهيم والنهج من النبع الكريم ، والنفس من الرسول والرضى من الله ، والقبول عن الله ، فهو شرف الأشراف ، والفرع من عبد مناف ، عالم بالسياسة قائم بالرياسة ، مفترض الطاعة ، إلى يوم الساعة ، أودع الله قلبه سرّه ، وأنطق به لسانه ، فهو معصوم موفق ليس بجبان ، ولا جاهل فتركوه يا طارق ، واتّبعوا أهواءهم (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ) (١).
والإمام يا طارق بشر ملكي وجسد سماوي ، وأمر إلهي وروح قدسي ، ومقام علي ونور جلي ، وسرّ خفي ، فهو ملكي الذات إلهي الصفات ، زائد الحسنات عالم بالمغيبات ، خصا من رب العالمين ، ونصا من الصادق الأمين ، وهذا كلّه لآل محمّد صلىاللهعليهوآله لا يشاركهم فيه مشارك ، لأنّهم معدن التنزيل ، ومعنى التأويل وخاصة الرب الجليل ، ومهبط الأمين جبرائيل ، صفات الله وصفوته ، وسرّه وكلمته ، شجرة النبوّة ، ومعدن الفتوة ، عين المقالة ومنتهى الدلالة ، ومحكم الرسالة ، ونور الجلالة ، حبيب الله ووديعته ، وموضع كلمة الله ومفتاح حكمته ، مصابيح رحمة الله وينابيع نعمته ، السبيل إلى الله والسلسبيل ، والقسطاس المستقيم ، والمنهاج القويم ، والذكر الحكيم ، والوجه الكريم ، والنور القويم ، أهل التشريف والتقويم والتقديم ، والتفضيل والتعظيم ، خلفاء النبي الكريم ، وأبناء الرؤوف الرحيم وأمناء العلي العظيم ، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ، السناء الأعظم والطريق الأقوم. من عرفهم وأخذ عنهم ، فهو منهم ، وإليه الإشارة بقوله : من تبعني فإنّه منّي ، خلقهم الله من نور عظمته ، وولاهم أمر مملكته ، فهم سررّ الله المخزون ، وأولياؤه المقرّبون ، وأمره بين الكاف والنون.
لا بل هم الكاف والنون ، إلى الله يدعون وعنه يقولون ، وبأمره يعلمون ، علم الأنبياء في علمهم ، وسرّ الأوصياء في سرّهم ، وعزّ الأولياء في عزّهم ، كالقطرة في البحر ، والذرة في القفر ، والسّموات والأرض عند الإمام منهم كيده من راحته يعرف ظاهرها من باطنها ، ويعلم
__________________
(١) ـ القصص : ٥٠.