بليغ المقال : «لو لم أخف لقلت» (١) وهذا كمال المبالغة وغاية الشرف لأن ما لم يقل أعظم ممّا قيل ، وهذا مثل قوله سبحانه بعد أن مدح الجنّة ووصفها فقال : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ) (٢) وإذا كانت الجنّة وهي دارة علي لا توصف فكيف يوصف صاحب الدار.
فصل
[مقام علي عليهالسلام عند الملائكة]
وأما مقامه عند الملائكة المقرّبين ورفعته عند جبرائيل الأمين فإنه كان يلزم ركاب علي إذا ركب ويسير معه إذا سار ويقف إذا وقف ويكبّر إذا كبّر ويحمل إذا حمل لأنه خادمه والخادم يدين بطاعة المخدوم ، وهو مع رفعته في السماء وحمله للرسائل إلى الأنبياء فإنّه فقير علي لأنه وقف ببابه سائلا فقال : (مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) فهذا سرّ الأسرار ، وآية الجبّار ، الذي ينفد عند عدّ فضائله رمل القفار ، وورق الأشجار ، فلأنه إمام الأبرار ، ووالد السادة الأطهار ، وقسيم الجنة والنار ، سنان النبوّة ، ولسان الفتوة ، وختام الرسالة ، وبيان المقالة ، ينبوع الحكمة ، وباب الرحمة ، يعسوب الدين والحكمة ، ومعدن الطهارة والعصمة ، مريخ الانتقام وكيوان الرفعة والاحتشام ، كاسر قناة الغواية ، وسفينة النجاة والهداية وصاحب الخلافة والألوية من البداية إلى النهاية ، وقلت :
يا أيّها المولى الولي ومن له |
|
الشرف العلي ومن به أنا واثق |
لا أبتغي مولى سواك ولا أرى |
|
إلّا ولاك ومن عداك فطالق |
عين العلى بك أشرقت أنوارها |
|
صار الصفى من بحر جودك دافق |
يا كاف الكل يا هاء الهدى |
|
يا فلك نوح واللواء الخافق |
من قبل خلق الخلق أنت رضيتني |
|
عبدا وما أنا عبد سوء آبق |
ونقلت من صلب إلى صلب على |
|
صدق الولا وأنا المحبّ الصادق |
__________________
(١) وهو قوله : «لو لا أني أخاف ... لقلت اليوم فيك مقالة لا تمرّ بملأ إلّا أخذوا تراب نعليك» البحار : ٢٥ / ٢٨٤ ح ٣٥.
(٢) السجدة : ١٧.