بالحقائق ، فالله سبحانه حكمه في العدل وعدله وغناه عن الظلم لذاته من غير استفادة ، والولي عدله وحكمته وعصمته خصّ من الله وتأييد له بتلك القوى الإلهية والصفات الربّانية ، وإليه الإشارة بقولهم : «إلّا انّهم عبادك وخلقك» ، لأن هذا الاستثناء فارق بين الرب والعبد ، لأن الرب المعبود سبحانه علمه وقدرته ، وقدمه وغناه عن خلقه ، غير مستفاد من إله آخر بل هي صفات ذاته ، لأن واجب الوجود وجوب وجوده يقتضي صفات الألوهية ، والإمام الولي قدرته وعلمه وحكمه وتصرفه في العالم من الله اختاره ، فقدمه وارتضاه فحكمه ، ما اختار وليا جاهلا قط ، فوجب له بهذه الولاية العامة التقدّم والعلم والتصرّف ، والحكم والعصمة عن الخطأ والظلم.
أما التقدّم فلأن الولي حجّة الله ، والحجة يجب أن يكون قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق ، وأما العلم فلأن الولي هو العلم المحيط بالعالم ، فلا يخفى عليه شيء مما غاب وحضر إذ لو خفي عنه شيء لجهل وهو عالم ، هذا خلف.
دليله : ما رواه المفضل بن عمر عن أبي عبد الله عليهالسلام أنه قال : يا مفضل ، إن العالم منّا يعلم حتى تقلّب جناح الطير في الهواء ، ومن أنكر من ذلك شيئا فقد كفر بالله من فوق عرشه ، وأوجب لأوليائه الجهل ، وهم حلماء علماء أبرار أتقياء.
وذلك أن الولي لا يجوز أن يسأل عن شيء وليس عنده علمه ، ولا يجوز أن يسأل عن شيء ولا يعلمه ، والقرآن قد شهد له بذلك ، وإليه الإشارة بقوله : (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) (١) ، والمراد به الولي ، ولفظ العموم هنا مخصّص للأولياء ، وليس في العطف تباعد وتراخ ، وكلّما يجري في العالم الذي أبرزه الله إلى الوجود من عالم الغيب والشهادة أخبر القرآن أن الله يراه ورسوله ووليّه ، ومن أصدق من الله حديثا.
وإليه الإشارة بقوله صلىاللهعليهوآله : إنك تسمع ما أسمع ، وترى ما أرى (٢) ، فقوله «تسمع ما أسمع» هذا جار في الأوصياء كافة ، وقوله : «ترى ما أرى» ، هذا مقام خصّ به علي عليهالسلام. وإليه الإشارة
__________________
(١) التوبة : ١٠٥.
(٢) تقدّم الحديث.