بقوله : (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ) (١) ، والكتاب علي ، ومنه قوله : (وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِ) (٢) ، والكتاب الناطق هو الولي ، وإليه الإشارة بقوله : (وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً) (٣) ، وذلك لأنه ليس بين الله وبين رسوله سرّ ، وكيف وهو بالمقام الأعلى والمكان الأدنى؟ وليس بينه وبين رسول الله ووليّه سرّ ، وهذا رمز ، وحلّه أن ليس بينهم وبين الله واسطة من الخلق ، ولا أول في السبق ، ولا أقرب إلى حضرة الحق ، لأنّهم الخلق الأوّل والعالم الأعلى ، والكل تحت رفعتهم ، لأن الأعلى محيط بالأدنى ضرورة ، والولي يعلمه ، فكل ما أبرزه الله من الغيب وبسطه قلمه في اللوح المحفوظ فإنّ النبي والولي يعلمه ، وإليه الإشارة بقوله صلىاللهعليهوآله : «إن الله أطلعني على ما شاء من غيبه وحيا وتنزيلا وأطلعك عليه إلهاما ، وإن الله خلق من نور قلبك ملكا فوكله باللوح المحفوظ ، فلا يخط هناك غيب إلّا وأنت تشهده (٤).
فالنبي والولي مطّلعان على علم الغيب ، لكن النبي لا ينطق به إلّا مع الأمر لأنه الرسول (٥) ، وإليه الإشارة بقوله : (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) (٦) ، وأما
__________________
(١) الجاثية : ٢٩.
(٢) المؤمنون : ٦٣.
(٣) يونس : ٦١.
(٤) في البحار : ٢٦ / ٤ ح ١ : «أنا صاحب اللوح المحفوظ ألهمني الله علم ما فيه».
(٥) وذلك لقرب الناس في زمن النبي صلىاللهعليهوآله إلى الجاهلية ولسعيه إلى تثبيت الإسلام وقواعده.
(٦) ظاهر الآية نسبة العجلة إلى النبي وهو ينافي عظمته صلىاللهعليهوآله وتوضيح ذلك :
أن الناس في الجاهلية الجهلاء ، ولن تتحمّل نسبة العلم إلى النبي صلىاللهعليهوآله بلا توسط الوحي بينه وبين الله ، إمّا لأنّ الأنبياء يوحى إليهم عادة.
وإمّا لقرب عهدهم بالجاهلية وعدم معرفتهم المعرفة الحقيقة للنبي الأعظم ، حتى إنّهم كانوا ينادونه من وراء الحجرات باسمه.
وهم ، مع أنّه صلىاللهعليهوآله أبرز لهم مسألة الوحي ، كذّبوه وقالوا : هذا من عنده ، أو من عند سلمان الفارسي.
فكيف لو لم يبرز لهم الوحي وجبرائيل عليهالسلام!؟.
وما يشير إلى ذلك أن النبي صلىاللهعليهوآله عند ما كان يأتيه الوحي ، كان يقول جاء جبرائيل ، وذهب جبرائيل ، وأخبرني جبرائيل عن الله تعالى ، وما شابه ذلك ، وما ذاك إلّا للتأكيد أنّ هناك إلها ودينا وإسلاما ورسالة من السماء.
ومن هنا نفهم الآيات والروايات التي تحدّثنا أن النبي صلىاللهعليهوآله لم يكن يعطي الجواب حتى ينزل الوحي ،