__________________
فهو كان يعلم الجواب ، ولكن يريد أن يغرز في نفوسهم فكرة الوحي من السماء.
قال تعالى : (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) طه : ١١٤.
فالنبي صلىاللهعليهوآله قبل أن ينقضي الوحي من السماء عليه ، كان مستعدا أن يقرأ على الناس القرآن ، بل تقدم علمه للقرآن منذ عالم الأنوار.
ونسبة العجلة للنبي صلىاللهعليهوآله لم يكن المراد بها حتى أن التوقيت غير مناسب ، بل لإبراز أن النبي صلىاللهعليهوآله كان يعلم بالقرآن وآياته قبل أن ينزل عليه جبرائيل ، وبالتالي تكون الآية دليلا على ما نذكره وذكرناه سابقا أن جبرائيل كان يذكره بالقرآن تذكيرا لا يجتمع مع النسيان.
إن قيل : يحتمل في الآية أن النبي صلىاللهعليهوآله كان يستعجل بالقرآن فيتلو الآية الأولى أو مطلعها قبل أن يكملها جبرائيل أو قبل أن ينتهي من السورة.
قلنا : فعل النبي الأعظم صلىاللهعليهوآله هذا إما مع التفاته إلى بقية الآيات التي يكملها جبرائيل ، وإما مع عدم التفاته لها.
فعلى الأول لا معنى للنهي عن العجلة.
وعلى الثاني يكون النبي مفوتا للوحي ومضيّعا لبعض الآيات ، ولا قائل به إلّا من سفه قوله.
قال الشيخ الطبرسي في الآية : لا تحرك به لسانك لتعجل قراءته بل كرّرها عليهم ليتقرر في قلوبهم فإنهم غافلون عن الأدلة ، ألهاهم حبّ العاجلة فاحتاجوا إلى زيادة تنبيه وتقرير (مجمع البيان : ١٠ / ٦٠٣ مورد الآية ـ القيامة : ١٦).
وقال سيد المفسرين : ويؤول المعنى إلى أنك تعجل بقراءة ما لم ينزل بعد ، لأن عندك علما في الجملة ، لكن لا تكتف به واطلب من الله علما جديدا بالصبر واستماع بقية الوحي. وهذه الآية مما يؤيد ما ورد من الروايات أن للقرآن نزولا دفعة واحدة غير نزوله نجوما على النبي صلىاللهعليهوآله فلو لا علم ما منه بالقرآن قبل ذلك لم يكن لعجله بقراءة ما لم ينزل منه بعد معنى (تفسير الميزان : ١٤ / ٢١٥ مورد الآية ـ طه : ١١٤).
وقد أبطل السيد الطباطبائي نسبة عجلة النبي صلىاللهعليهوآله في القراءة قبل انتهاء جبرائيل.
(تفسير الميزان : ٢٠ / ١١٠ مورد الآية ـ القيامة : ١٦).
* أقول : عندي أن معنى الآية : أن النبي صلىاللهعليهوآله كان يقرأ القرآن على الناس أو كان يبلغ بعض أحكامه ومعانيه للناس مرة واحدة ، وذلك قبل أن ينزل الوحي عليه به وقبل أن ينقضي إليه ، فجاء الخطاب الإلهي ليقول : لا تعجل في تبليغ القرآن ، وأبلغه للناس حتى قبل نزول جبرائيل به ، أبلغهم إياه بالتأني ليفهموه ويعملوا به ، ولك أن تقرأه عدة مرات على الناس ولا داعي للعجلة والاقتصار على المرة ، فإن قلوبهم لم تلن بعد ، واشكر الله وقل ربّ زدني علما لما أتاك علم القرآن قبل أن ينزل به جبرائيل.
وبذلك ننفي محذور نسبة العجلة إلى النبي صلىاللهعليهوآله.