فصل
[علم الإمام بما كان ويكون]
وإيضاح هذا المشكل أن الله سبحانه لما أراد أن يخلق هذا العالم خلق اللوح والقلم وكتب فيه من الغيب ما يتعلق بهذا العالم وبذلك ، ورد الأثر من قوله : جف القلم بما هو كائن (١) ، وقوله : فرغ الله من حساب خلقه ، ثم بعث إليهم من الهداة والولاة ، وأوحى إلى كل نبي ورسول ما يحتاج إليه أهل زمانه من العقائد والشرائع ، ممّا قضاه وقدّره ممّا يعرف منه ويعبد ، حتى ختم الوجود بمحمد كما افتتح به الوجود ، والفاتح الخاتم يجب أن يكون عنده علم ما كان وما يكون ، لأنه منه البداية وإليه النهاية ، لأن الواحد أوّل العدد ومنتهاه ، فوجب أن يكون عنده علم ما كان وما يكون ، ممّا كتب في اللوح وإلّا لزم العبث أو الظلم.
فجملة ما صار إلى الأنبياء وما خفي عنهم ممّا كتب في اللوح ، وجرى به القلم صار إلى سيّد الأوّلين والآخرين ، وجميع ما صار إليه وحيا وإلهاما ومشاهدة في المقام الأعلى والخطاب الربّاني بغير واسطة صار إلى وصيه القائم بدينه أمير المؤمنين عليهالسلام ، ثم إلى عترته الأبرار وخلفائه الأطهار ، وقد صرّح القرآن بذاك من قوله : (وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (٢) ودلّ عليه قوله الحق : أعطيت ألف مفتاح من العلم يفتح كل مفتاح ألف باب ، يفضي كل باب إلى ألف عهد ، وصار ذلك في الأوصياء من بعدي إلى آخر الدهر (٣).
فمن أنكر بعد هذا الشاهد الحق علم الغيب للإمام ، وخالف بعد ما وضح من البرهان المبين ، فقد كذب بالقرآن ، وكفر بالرحمن ، وكفى بجهنّم سعيرا.
__________________
(١) بحار الأنوار : ٢٨ / ٤٨ ح ١٤ بلفظ : بما فيه.
(٢) النمل : ٧٥.
(٣) بحار الأنوار : ٢٧ / ١٦٠ ح ٩ والحديث طويل.