حجاب الله في عالم الصور ، وإليه الإشارة ، يقول الرسول صلىاللهعليهوآله : «علي لا يحجبه عن الله حجاب» (١) ، وهو السرّ والحجاب ، فالإمام نور إلهي وسرّ ربّاني ، وتعلّقه بهذا الجسد عارضي ، دليله قوله سبحانه : (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها) (٢) ، ونور الرب هو الإمام الذي بنوره تشرق الظلم ، ويستضيء سائر العالم.
يعضد هذا التفسير ما ورد عن النبي صلىاللهعليهوآله أنه قال : «إنّ للشمس وجهين ، وجه يلي أهل السماء ، ووجه يلي أهل الأرض» (٣) ، فالإمام مع الخلق كلّهم لا يغيب عنهم ، ولا يحجبون عنه ، بل هم محجوبون عنه ، وليس هو بمحجوب ، لأن الدنيا عند الإمام كالدرهم في يد الإنسان يقلّبه كيف شاء.
وعنهم عليهمالسلام : إن الله يعطي وليّه عمودا من نور بينه وبينه يرى فيه سائر أعمال العباد (٤) كما يرى الإنسان شخصه في المرآة من غير شك ، كما رواه إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن موسى عليهالسلام أنه قال : دخل عليه رجل من خراسان فكلّمه بكلام الطير فأجابه موسى بمثل كلامه ، فلما خرج الرجل قلت : يا سيدي ما سمعت مثل هذا الكلام ، فقال عليهالسلام : هذا كلام قوم من أهل الصين وليس كلام أهل الصين كلّه هكذا ، ثم قال : أتعجب من هذا؟ قلت : نعم ، قال : سأريك ما هو أعجب ، إن الإمام يعلم منطق الطير ومنطق كل ذي روح ، لا يخفى على الإمام شيء (٥).
فهم صلوات الله عليهم يشهدون الخلق عند الحياة وعند الممات ، لأنّهم العالمون عن الله بكل موجود ومفقود ، كما ورد عن النبي صلىاللهعليهوآله أنه مرّ على قبر فقال : أف ، أف ؛ فقيل : يا رسول الله ماذا؟ فقال : إنّ صاحب هذا القبر سئل عني فأمسك ، فأففت عليه.
ومن ذلك ما روي عن أمير المؤمنين عليهالسلام أنه قال لكميل بن زياد وقد مرّ معه في جبانة فأسرع السير فقال له : «خفّف الوطء يا كميل فإنّهم يسمعون صرير نعالك».
__________________
(١) بحار الأنوار : ٤٠ / ٩٦ ح ١١٦.
(٢) الكهف : ٤٥.
(٣) بحار الأنوار : ٢٧ / ٩ ح ٢١ وفيه يضيء لأهل السماء ـ الأرض.
(٤) الهداية الكبرى : ٢٤٠ باب ٧ ، وبصائر الدرجات : ٤٣٥ ح ٣ باب أنه يرى ما بين المشرق والمغرب.
(٥) الأنوار النعمانية : ١ / ٣٣ ، والهداية الكبرى : ١٧١ باب ٢.