وعلم الإمام بهم ليس ظنّ ولا تقليد ، ولكنّه علم إحاطة وتحقيق (١) ، فعلم الله محيط بالمعلومات ، وعلمهم نافذ في طبقات السّموات ، لأنّ السّموات والأرض وما فيها خزانة الله خلقها لأجلهم وسلّمها إليهم ، فعندهم مفاتيح علمها وغيبها لا بل هم مفاتيح الغيب ، وإليه الإشارة بقوله : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ) (٢) لأن الولي المطلق هو الذي بيده مفاتيح الولاية ، بل هو مفتاح الولاية ، يؤيّد ذلك قوله سبحانه : (صِراطِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) (٣) ، وهذا صريح ، قال الصادق عليهالسلام : صراط الله علي جعله الله أمينه على علم ما في السّموات وما في الأرض ، فهو أميره على الخلائق وأمينه على الحقائق (٤).
يؤيّد هذا التفسير قول أمير المؤمنين في خطبة التطنجية : «لو شئت أخبرتكم بآبائكم وأسلافكم ممّن كانوا وأين كانوا ، وأين هم الآن وما صاروا إليه؟ فكم من آكل منكم لحم أخيه وشارب برأس أبيه ، وهو يشتاقه ويرتجيه ، هيهات إذا كشف المستور وحصل ما في الصدور ، وأيم الله لقد كررتم كرات وكم بين كرة وكرة من آية وآيات».
ويجب من عموم علمه عموم إحاطته لأنه وجه الله الذي منه يؤتى ، والسبب المتصل بين الأرض إلى السماء ، وإليه الإشارة بقوله : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) (٥) ، والشمس المنيرة التي لا يحتجب من ضوئها شيء أبدا ، والاسم الجاري الساري في كلّ شيء ، فهم إلى طرف الموجودات مولاها ومعناها ، وإلى حضرة الأحدية عبدها ووليها وخليفتها وعليها ، وإليه الإشارة بقوله : (إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) (٦) ، قال أبو جعفر عليهالسلام : «الرصد التعلّم من النبي» (٧) ، وقوله : من بين يديه ، يعني يلقي في قلبه الإلهام ليعلم النبي أنه قد بلغ رسالات ربّه ، وأحاط علي بما لديه من العلم
__________________
(١) فصّلناه في كتابنا علم آل محمد.
(٢) الأنعام : ٥٩.
(٣) الشورى : ٥٣.
(٤) بحار الأنوار : ٢٥ / ١٧٠ ح ٣٨ بتفاوت.
(٥) البقرة : ١١٥.
(٦) الجن : ٢٧ ـ ٢٨.
(٧) بحار الأنوار : ٣٦ / ٨٩ / ح ١٦ وفيه التعليم والحديث طويل.