(وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) (١) ، قال : علم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ، حتى معرفة كل إنسان باسمه ونسبه ، ومن يموت موتا ومن يقتل قتلا ، ومن هو من أهل الجنة ، ومن هو من أهل النار (٢).
وإليه الإشارة بقوله : (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٣) ، وإنما رآه بمرآة (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) (٤) فرآه بعين الولاية ، لأن النبي قد يحجب عن الملكوت لأن الوحي منه يأتيه ، والولي لا يحجب عن الملكوت ، فالنبي ينتظر الغيب والولي ينظر في الغيب ، وليس الولي بهذا المقام أعلى من النبي بل هو في سائر المقام تلميذه ، وتحت مرتبته ، وفيضه عنه ، وعلمه عنه ، وقد يكون للولي ما ليس للنبي وإن كان من اتباعه ، كقصة الخضر وموسى ، وهذا إشارة إلى الإلهام ، وإليه الإشارة بقوله : ولقد نظرت في ملكوت السّموات والأرض فما غاب عنّي شيء ممّا كان قبلي ، ولا شيء ممّا هو كائن بعدي (٥).
فذلك حق لأن الولي المطلق لو جهل شيئا لجهل من ولاه ، ولو علم شيئا دون شيء لا تصف بالعلم تارة وبالجهل أخرى ، فكان جاهلا وهو عالم ، هذا خلف ؛ ولو جهل لارتفعت الولاية والعصمة ، ما اتخذ الله وليا جاهلا قط ، فيلزم لو جهل عدم الولي أو كونه جاهلا وهو محال ، فيكون عالما بالكل وهو المطلوب ، وإليه الإشارة بقول ابن أبي الحديد في مدحه له عليهالسلام :
وذو المعجزات الباهرات أقلها |
|
الظهور على مستودعات السرائر |
دليله قوله الحق : «أنا الهادي بالولاية» (٦) فهو عليهالسلام غيب الله المكتوب ، وعلمه المنصوب ، وخزانة غيبه في سماواته وأرضه ، ووارث أسرار نبيّه ، فهو الإمام المبين الذي كلّفه الله هداية الخلق ، وقضى فيه كل شيء فكل علم نزل إلى النبي صلىاللهعليهوآله فهو عنده ومنه
__________________
(١) الجن : ٢٧ ـ ٢٨.
(٢) وفيه رواية عن الإمام الباقر ، راجع البحار : ٢٦ / ١٤ ح ٢.
(٣) الأنعام : ٧٥.
(٤) البقرة : ١٢٤.
(٥) بحار الأنوار : ٢٦ / ١٤١ ح ١٤ عن أمالي المفيد بتفاوت.
(٦) بحار الأنوار : ٢٦ / ١٥٣ ح ٤١ بتفاوت.