وأما علمه بهم بعد الموت فدليله قوله للأصبغ بن نباتة في نجف الكوفة : «يا أصبغ إن في هذا الظهر أرواح كل مؤمن ومؤمنة ، فلو كشف لك ما كشف لي لرأيتهم خلقا يتحدّثون على منابر من نور» ، وذلك حق لأن الولي إذا أحاط علما بالأحياء وجب أن يحيط علما بالأموات ، وإلّا لا متنع الأوّل لا متناع الثاني ، لكن الأوّل غير ممتنع فالثاني كذلك ، لأن العلم الذي أيّد به وعلم به للأحياء به علم الموتى ، وإليه الإشارة بقوله : (قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ) (١) ، والكتاب الحفيظ ، هو الولي وعلمه عنده وذلك لأن اللوح المحفوظ فيه سطور غيب الله ، واللوح الحفيظ في الأرض هو المستودع لغيب الله وإليه الإشارة بقوله : (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ* فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) (٢) ، والولي حافظ للذكر وعالم بتأويله وتنزيله ، فاللوح المحفوظ بالحقيقة هو الولي ، فمن أنكر علم الولي بأهل ولايته
__________________
حتى صار إلى الشام فدخل منزله ، واشتد عليه مرضه وكان في مرضه يرى أشياء لا تسره ، .. فكان يشرب الماء الكثير فلا يروى ، وكان ربما غشي عليه اليوم واليومين ، فإذا أفاق من غشوته ينادي بأعلى صوته : «مالي ومالك يابن أبي طالب إن تعاقب فبذنوبي وإن تغفر فإنك غفور رحيم» (الفتوح لابن أعثم : ٢ / ٦١ ذكر انصراف معاوية عن مكة وما يلي به في سفره من المرض وخبر وفاته).
وعن سليم في خبر طويل فيه ندم الخليفة الأول والثاني عند الموت جاء فيه :
فقال له عمر : يا خليفة رسول الله لم تدعو بالويل والثبور.
قال أبو بكر : هذا رسول الله ومعه علي بن أبي طالب يبشرانني بالنار ومعه الصحيفة التي تعاهدا عليها في الكعبة وهو يقول صلىاللهعليهوآله :
«لقد وفيت بها وظاهرت على ولي الله فابشر أنت وصاحبك بالنار في أسفل السافلين» (إرشاد القلوب : ٢ / ٣٩٢ خبر وفاة أبي بكر ومعاذ).
وعن نخلة بنت عبد الله قالت : رأيت بعد أن قتل زيد بن علي وصلب بثلاثة أيام فيما يرى النائم كأن نسوة من السماء نزلن عليهن ثياب حسنة حتى أحدقن بجذع زيد بن علي ، ثم جعلن يندبنه وينحن عليه كما ينوح النساء في المأتم.
قالت : ونظرت إلى امرأة قد أقبلت وعليها ثوب لها أخضر يلمع منه نور ساطع حتى وقفت قريبا من أولئك النساء ، ثم رفعت رأسها وقالت : «يا زيد قتلوك يا زيد صلبوك يا زيد سلبوك يا زيد إنهم لن تنالهم شفاعة جدك عليه الصلاة والسلام غدا في يوم القيامة».
قالت نخلة : فقلت لإحدى النسوة تلك : من هذه المرأة الوسيمة من النساء؟
فقالوا : هذه فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله (الفتوح لابن الأعثم : ٣ / ٢٩٥ ذيل خبر زيد بن علي).
(١) ق : ٤.
(٢) البروج : ٢٢.