فصل
وبيان هذا البرهان أنه تعالى أمر نبيّه يوم الدار أن يجمع بني عبد المطّلب ويدعوهم إلى الله ، فمن سبق منهم إلى تصديقه وأجاب دعوته وصدق رسالته ، ورأى نصرته ، كان له بذلك أربعة عهد من الله ورسوله ، ويكون أخاه وصهره ، والحاكم بعده فما أجاب دعوته غير علي فبايعه ونصره وفداه ، ووفى بعهد الله فخاض في رضاه الحتوف ، وقتل في طاعته الألوف ، وكشف عن دينه الكربات ، وكسر الرايات ، وأخرج الناس من الظلمات ، ولما قبض رسول الله صلىاللهعليهوآله تواثبت الضباع على الأسد المناع ، والولي المطاع ، فعوت على الهزبر الكلاب ، وصار ملك أبي تراب ، الذي صفي سبحانه بحد الحساب ، والقرضاب ، إلى ... الذي لم يحمر له حسام يوم الضراب ، ولا مرّ في ملمة (١) إلّا انقلب وخاب ، ولم يدع إلى كريهة فأجاب.
فوجب في عدل الكريم الوهّاب ، من باب (أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) أن يوليه يوم القيامة عوضا عن حقّه الممنوع في الدنيا حكم يوم الحساب ، وإليه الإشارة بقوله : (وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) (٢) لأن المواهب الربانية والتحف الإلهية ، إما أن تكون استحقاقا أو تفضّلا ، وكلاهما حاصلان لأمير المؤمنين عليهالسلام ، أما الاستحقاق فإنّ الله أوجد فيه من الأسرار الإلهية ، والقوى الربّانية ، والخواص الملكية ما لم يوجد في غيره من البشر ، حتى تاه ذو اللب في معناه وكفر ، وإليه الإشارة بقوله صلىاللهعليهوآله : «خلقت أنا وعلي من جنب الله ولم يخلق منه غيرنا» (٣) ، وجنب الله معناه علم الله ، وحق الله له كإحياء الأموات والإخبار بالمغيبات ، وتكلم أذياب الفلوات ، وإغاضة ماء الفرات ، ورجوع الشمس له بعد الغياب ، وإظهار وإيراد المعجبات ، وأما التفضّل فإنّ الله يختص برحمته من يشاء ، ففوّض الله إليه أمر العباد وجعله
__________________
(١) كذا في النسخة الخطية ، في المطبوع بلفظ مسلم.
(٢) هود : ٣.
(٣) في بحار الأنوار : «خلقنا الله جزءا من جنب الله» ـ ٢٤ / ١٩٢ ح ٨.