وقوله : (وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (١) والمراد بالقول منّي : العلم ، وذلك لأن علم الله سبحانه سابق على أفعال العباد ولا حق وكاشف فهو سبحانه يعلم قبل إيجادهم من المطيع ومن العاصي ، لأنه ليس عند الله زمان ولا مكان ، ثم أخذ عليهم العهد في الذرات وهو رمز رفيع ومعناه علم قبل إنشاء ذراتهم ، من جبلته الانقياد للطاعة ، ومن جبلته الظلم والانقياد للمعصية فما يغني النذر فصاروا في العلم قبضتين : مطيع بالقوّة ، وعاص بالقوّة ، ثم لما أوجدهم وكلّفهم كشف العلم السابق ما في جبلاتهم فصاروا فريقين ، كما قال وقوله الحق مؤمن بالفعل وكافر ، ولذلك قال : ولا أبالي ، وفيه إشارة لطيفة معناها لا أبالي بعد أن فطرتهم على التوحيد ، وعرضت عليهم الإيمان في عالم الأرواح ، ثم ذكرتهم العهد في ظلم الأشباح ، فمنهم من أبصر فاستبصر ومنهم من أنكر فاستكبر ، فلا أبالي إن نسب الجبرية الظلم إليّ وأنا العدل الحكيم ، ولا أبالي يوم القيامة فريقا في الجنة بإيمانهم وفريقا في السعير بكفرهم وطغيانهم ، وإليه الإشارة بقوله : (أَصْحابُ الْيَمِينِ وَأَصْحابُ الشِّمالِ) (٢).
ثم خلط الماءين فما يفعله شيعتنا من الفواحش والإثم فهو من طينة النواصب ومزاجهم وهو لهم وعليهم وإليهم ، وما يفعله النواصب من البر والإحسان فهو من طينة المؤمن ومن مزاجه فهو لهم وإليهم لأنه ليس من شأن المنافق بر ، ولا من شأن المؤمن ظلم ولا كفر ، فإذا عرضت الأعمال على الله قال الحكيم العدل سبحانه ألحقوا صالحات المنافق بالمؤمن لأنّها من سجيته فهي له لأنها وفت بالعهد المأخوذ عليها ، وألحقوا سيئات المؤمن بالمنافق لأنها من طينته وإليه لأنها وفت بالعصيان والإنكار.
ثم قال الصادق عليهالسلام : وإن ذلك حكم إله السماء والأنبياء ، وأما حكم إله السماء فذلك عقلا وشرعا وأصلا وفرعا ومزاجا وطبعا ، أما الأصل فلأن طينته من الأصل أقرّت بالولاية فاستقرّت ، أما الفرع فلأنه عمل صالحا في دار التكليف فطاب أصلا وزكا فرعا ، ومن آمن
__________________
(١) السجدة : ١٣.
(٢) الواقعة : ٢٧ و ٤١.