الفردوس؟ وما هم فيه إلّا كالخاتم في الإصبع ، ولقد رأيت الشمس عند غروبها وهي كالطاير المنصرف إلى وكره ، ولو لا اصطكاك رأس الفردوس ، واختلاط التطنجين ، وصرير الفلك ، يسمع من في السّموات والأرض رميم حميم دخولها في الماء الأسود ، وهي العين الحمئة ، ولقد علمت من عجائب خلق الله ما لا يعلمه إلّا الله ، وعرفت ما كان وما يكون وما كان في الذر الأوّل مع من تقدّم من آدم الأول ، ولقد كشف لي فعرفت ، وعلمني ربي فتعلّمت ، ألا فعوا ولا تضجوا ولا ترتجوا فلولا خوفي عليكم أن تقولوا جن أو ارتد لأخبرتكم بما كانوا وما أنتم فيه وما تلقونه إلى يوم القيامة ، علم أو عز إلي فعلمت ، ولقد ستر علمه عن جميع النبيين إلّا صاحب شريعتكم هذه صلوات الله عليه وآله ، فعلّمني علمه ، وعلمته علمي ، ألا وإنّا نحن النذر الأولى ، ونحن نذر الآخرة والأولى ، ونذر كل زمان وأوان ، وبنا هلك من هلك ، وبنا نجا من نجا ، فلا تستطيعوا ذلك فينا ، فو الذي فلق الحبة ، وبرأ النسمة ، وتفرّد بالجبروت والعظمة ، لقد سخرت لي الرياح والهواء والطير ، وعرضت عليّ الدنيا ، فأعرضت عنها ، أنا كاب الدنيا لوجهها فحنى ، متى يلحق بي اللواحق ، لقد علمت ما فوق الفردوس الأعلى ، وما تحت السابعة السفلى ، وما في السّموات العلى ، وما بينهما وما تحت الثرى.
كل ذلك علم إحاطة لا علم أخبار ، أقسم بربّ العرش العظيم ، لو شئت أخبرتكم بآبائكم وأسلافكم أين كانوا وممّن كانوا وأين هم الآن وما صاروا إليه ، فكم من آكل منكم لحم أخيه ، وشارب برأس أبيه ، وهو يشتاقه ويرتجيه.
هيهات هيهات ، إذا كشف المستور ، وحصل ما في الصدور ، وعلم أين الضمير ، وأيم الله لقد كوزتم كوزات ، وكررتم كرات ، وكم بين كرة وكرة من آية وآيات ، ما بين مقتول وميّت ، فبعض في حواصل الطيور ، وبعض في بطون الوحش ، والناس ما بين ماض وزاج (١) ، ورايح وغاد ، ولو كشف لكم ما كان منّي في القديم الأول ، وما يكون منّي في الآخرة ، لرأيتم عجائب مستعظمات ، وأمورا مستعجبات ، وصنايع وإحاطات ، أنا صاحب الخلق الأوّل قبل نوح الأول ، ولو علمتم ما كان بين آدم ونوح من عجائب اصطنعتها ، وأمم أهلكتها : فحق عليهم القول ، فبئس ما كانوا يفعلون. أنا صاحب الطوفان الأوّل ، أنا صاحب الطوفان الثاني ، أنا
__________________
(١) كذا بالأصل.