هذا لفظه الظاهر يوهم تفضيل الولي على النبي عليهماالسلام ، والعقل المحض عكسه لأن رتبة الولي وإن علت فهي تحت رتبة النبي ، وإن تطاولت ، وذلك لأن سر الأوّلين والآخرين أودع في النبي ، ثم أحصر في الإمام الولي ، فمنه فاض إليه وبه دلّ عليه ، وسائر الأسرار إلى الوجود منهما وعنهما وهما من الله وعنه ، فما من غيب وصل إلى النبي بالوحي والخطاب الإلهي إلّا وقد وصل إلى الولي ظاهره وباطنه ، فالنبي إليه الإنذار والتنزيل ، والولي إليه الإهداء والتأويل .. وإليه الإشارة بقوله : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ) يا محمد (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) (١) وهو علي.
فالنبي أمر أن ينطق من الغيب بعلم الظاهر عند الإذن من الله لأنه صاحب الشرع .. وإليه الإشارة بقوله : (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) (٢) فالنبي أوتي من الله
__________________
وقال عليهالسلام : «لا تذيعوا سرّنا ولا تحدّثوا به عند غير أهله فإن المذيح سرّنا أشدّ علينا من عدوّنا» (الخرايج والجرايح : ٢٦٧ باب ٧).
وقد بيّن الإمام العسكري عليهالسلام علّة عدم إخبارهم بالامور الغيبية بقوله لموسى الجوهري : «ألسنا قد قلنا لكم لا تسألونا عن علم الغيب ، فنخرج ما علمنا منه إليكم ، فيسمعه من لا يطيقه استماعه فيكفر» (الهداية الكبرى : ٣٣٤ باب ١٣).
والظروف التي كان يعيشها النبي صلىاللهعليهوآله والقليل من الأئمّة كانت مختلفة فرسول الله صلىاللهعليهوآله كان في بداية الدعوة الإسلامية وقريب عهد بالجاهلية.
وإذا أردنا أن نبرم هذا الكلام فلا بأس بنقل كلام لسماحة الشيخ محمد الحسين المظفر يصلح أن يكون جوابا عن هذا المطلب : قال بعد أن ذكر توقف الرسالة على علم النبي صلىاللهعليهوآله بكل الأشياء : فعلم الرسول بالعالم وإحاطته بما يحدث فيه وقدرته على تعميم الإصلاح للداني والقاصي والحاضر والباد ؛ من أسس تلك الرسالة العامة وقاعدة لزومية لتطبيق تلك الشريعة الشاملة.
غير أن الظروف لم تسمح لصاحب هذه الرسالة صلىاللهعليهوآله أن يظهر للامّة تلك القوى القدسية والعلم الربّاني الفيّاض. وكيف يعلن بتلك المواهب والإسلام غضّ جديد ، والناس لم تتعرّف تعاليم الإسلام الفرعية بعد؟! فكيف تقبل أن يتظاهر بتلك الموهبة العظمى وتطمئن إلى الإيمان بذلك العلم. بل ولم يكن كل قومه الذين انضووا تحت لوائه من ذوي الإيمان الراسخ ، وما خضع البعض منهم للسلطة النبوية إلّا بعد اللتيا والتي وبعد الترهيب والترغيب» (علم الإمام : ٩ ـ ١٠).
نعم فقد أفصح النبي صلىاللهعليهوآله لخاصة أصحابه عن كنه حقيقته وحقيقة علمه ليس هنا محل ذكرها.
(١) الرعد : ٧.
(٢) طه : ١١٤.