فصل
[علي عليهالسلام حاكم يوم الدين]
ولما وعى سمع الدهر ما صحت قواعده ووضحت شواهده ، ولاح نوره وابتسمت ثغوره ، مما وقر في الآذان والأذهان ، وأن عليا مالك يوم الدين وحاكم يوم الدين وولي يوم الدين ، وأنه قد جاء في الأحاديث القدسية أن الله يقول : عبدي خلقت الأشياء لأجلك وخلقتك لأجلي ، وهبتك الدنيا بالإحسان والآخرة بالإيمان.
وإذا كانت الأشياء بأسرها خلقت لكل إنسان فما ظنّك بإنسان الإنسان ومن لأجله خلق الإنسان ، وبه كان الكون والمكان ، وذلك أن كل ما هو لله ممّا خلق وممّا أوحي فهو لمحمد ، وما هو لمحمد من الفضل والمقام والشرف والاحتشام فهو لعلي إلّا المستثنى. والدنيا والآخرة وما في الدنيا والآخرة لمحمد وعلي ، فالقيامة بأسرها لمحمد وعلي. فللنبي منها حكم الظاهر وهو مقام الكرامة ، كما قال : أنا زين القيامة والشهادة على الخلائق ، وإليه الإشارة بقوله : (وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) (١) والشفاعة لأهل البوائق ، وإليه الإشارة بقوله : «أعددت شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي» (٢) وللولي حكم الباطن وهو وقوفه على النار ، وقوله : «هذا لك وهذا لي (٣) ، خذي هذا وذري هذا». فيوم القيامة ليس إلّا شفيع وحاكم وشافع وقاسم ، فالإله هو الله والملك المرفوع في القيامة محمد والحاكم المتصرّف عن أمر الملك والمالك هو علي ، لأنه وال هناك عن أمر الله وأمر محمد. فملك يوم الدين وحكم يوم الدين ، والتصرّف في ذلك اليوم مسلم إلى خير الوصيين وأمير المؤمنين ، رغما على كيد المنافقين وغيظ المكذّبين ، فعند ذلك أقبل الناس إليّ يزفون وبعرائس الجهل يزفون ، وبي يتعرّضون وعن ودّي يعرضون ، وبمقتي يعرضون ولما قلت ينكرون ، وبنعمة الله يكفرون ، ولما صدقته آراؤهم يصدقون ، ولما صعب عليهم علمه ومعرفته يطرحون ، وبه
__________________
(١) النساء : ٤١.
(٢) صحيح الترمذي ح ٢٤٣٥ كتاب صفة القيامة.
(٣) تقدّم الحديث.