آتاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) (١) فقد دلّ الرب القديم الرحمن الرحيم سبحانه أن كل فضل فاض إلى الوجود والموجود فهو من نعمة الله ، وفضل آل محمد لأنّهم هم السبب في وجودها ووصولها ، فما بال أهل الزمان يخالفون العقل والنقل وينكرون سرائر القرآن الناطقة بفضل آل محمد؟ ويؤولونها بحسب آرائهم ، ويسمون من أظهر شيئا من هذا مغاليا ويرفضونه ويهجرونه ولا يعرفونه ، ثم يدعون بعد هذا معرفة علي ومحبّته ويزعمون أنهم من شيعته ، (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) لأنهم اليوم في ريبتهم يتردّدون فأنّى يبصرون.
فما آمن بعلي من أنكر حرفا من فضله وإن بعد عن عقله العديم وخفي على ذهنه السقيم ، فليرده إلى قولهم : أمرنا صعب مستصعب (٢) ، وليتل هناك (ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ) ، وليسلك نفسه في سلك قوله : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) ، ولا يندرج في لفيف قوم قاموا في آيات الله يلحدون ، ولها يجحدون وعنها يصدون ومنها يصدفون ، وهم يحسبون أنّهم يحسنون فتراهم لم يقبلوا على الحق برهانا ، ولم يصغوا لسماع قول : (وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً) (٣) ولا طلع لهم في سماء التصديق نجم ، ولا نجم لهم طلع ، ولا أسفر لهم في دجنة التوفيق بدر ، ولا بدر لهم أسفر ، وكان هذا الكتاب محكا حك شكّهم حكّا ، وأظهر مسّهم حين مسهم فجاؤوا بالباطل يكذبوني ، ويلفون بالحسد في ديني إذ أخلجوا في السبق دوني.
فصل
ولما كان أهل الدنيا شأنهم بعض من وصلت إليهم من الله نعمة فتراهم يدلون به إلى الحكّام ، ويجعلونه غرضا لسهام الانتقام ، ويتوقعون سلب دولته وذهاب نعمته ، وهذا شأن الحسود ومتى يسود ، وكذا أهل الدعوى الذين سمّوا أنفسهم مؤمنين وهم عن التذكرة
__________________
(١) التوبة : ٥٩.
(٢) الأصول الأصيلة : ١٦٩.
(٣) الأنفال : ٢.