فصل
[معنى الحركة والسكون لله تعالى]
وأما قوله : (وَجاءَ رَبُّكَ) فالمجيء والحركة والسكون إنّما تقال على الأجسام ، وخالق الأجسام ليس بجسم ، وكيف يجري عليه ما هو أجراه ، لا إله إلّا الله ، والمراد جاء أمر ربك والأمر يومئذ محمد وعلي فهم الأمر وإليهم الأمر ، والسيد والمولى في اللغة بمعنى واحد ، وأنت تدعو بذاك مرارا ولا تعقل وتقول : يا سيدي ومولاي يا الله يا محمد يا سيدي ومولاي ، يا علي يا سيدي ومولاي ، وقد ورد عن الحسن العسكري عليهالسلام في عهده ودعائه أنه يقول : «يا من أتحفني بالإقرار بالوحدانية ، وحباني بمعرفة الربوبية ، وخلصني من الشك والعمى ، جئت بك إليك».
فالواحد المعدود ، والرب لا معدود ، صفة الإله الأحد الذي لا يحدّ ولا يعدّ ، فمن عرف من الحكمة هذا القدر فقد عرف مبدأه ومعاده ، لأن المبدأ ظهور من الحق إلى الخلق ، والمعاد عود من الخلق إلى الحق ، ومن عرف المبدأ والمعاد وحقيقة الوعد والإيعاد ، فقد تيقّن النجاة وعرف عين الحياة ، وأمن الممات ، لأن المؤمن حي في الدارين.
يتمّم هذا الإسرار قوله : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً) (١) ، والوحي والرسول يوم القيامة مرتفع ، فلم يبق إلّا التكلّم من وراء الحجاب ، وأقرب الناس مقاما من حضرة الربوبية الاسمان الأعليان الحبيب والولي الكلمة العليا التي تكلّم بها في الأزل فصارت نورا ، والكلمة الكبرى التي تكلّم بها فكانت روحا ، وأسكنها ذلك النور نور محمد وعلي فهما حجاب رب الأرباب ، فالإذن إذن لهم والحكم لهم ، والأمر إليهم ، وإليه الإشارة بقوله : (وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) (٢) يعني لولي الله لأنّهما عالمان بأعمال العباد من
__________________
(١) الشورى : ٥١.
(٢) الانفطار : ١٩.