فصل
[معنى الرب بالقرآن]
قد علمت أن الرب لفظ مشترك ، فتارة يأتي بالقرآن بمعنى المالك والسيد ، وتارة يأتي بمعنى المعبود ، ولا مشركة فيه ، وذاك مثل قوله سبحانه : (رَبُّ السَّماواتِ) (١) ، و (رَبِّ الْأَرْضِ) (٢) ، (رَبِّ الْعالَمِينَ) (٣) ، فهو ربّهم وخالقهم ومالكهم ومولاهم ، وأما اسم الإله إذا جاء من هذا الباب فإنه لا يكون إلّا بمعنى حذف المضاف لا غير ، وذلك مثل قوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ) (٤) ، ومعناه أمر الله ، وقوله : (فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا) (٥) معناه أمر الله من حيث لم يشعروا.
فصل
سرّ النجاة بالإيمان ، ولا إيمان إلّا ببرهان ، وإليه الإشارة بقوله : (هاتُوا بُرْهانَكُمْ) (٦) ، وصاحب البرهان على بيّنة من ربه ، وحق اليقين لا شك بعده ، وليس بعد الهدى إلّا الضلال ، فالمؤمن الموقن كشارب الترياق لا يضرّه سم أبدا ، والمقلّد إيمانه لعقة على لسانه فلا يعرف الحق حتى يتبعه ، ولا يقدر على عرف الباطل فيمنعه ، فهو كالمطعون كلّما ازداد علاجا ازداد مرضا ، أو كشارب ماء البحر كلّما ازداد شربا ازداد عطشا ، وكذلك المرتاب في فضل علي لا يصبو لحسن ما تجلّى عليه من عرايسه ، ولا ترتاح نفسه لسماع نفايسه ، فكلّما تليت
__________________
(١) مريم : ٦٥.
(٢) الجاثية : ٣٦.
(٣) الجاثية : ٣٦.
(٤) البقرة : ٢١٠.
(٥) الحشر : ٢.
(٦) البقرة : ١١١.