فصل
[اختلاف الناس في الإمام]
نبوّة وإمامة ، وفي الإمامة وقع الاختلاف ، وإليه الإشارة بقوله : «ما اختلفوا في الله ولا فيّ وإنّما اختلفوا فيك يا علي» (١) ، فالإسلام والإيمان نعمتان مشكورة ومكفورة ظاهر وباطن ، فالاختلاف وقع في الإمامة ، فالعدو عن ظاهر أنوارها معرض ، والولي عن خفي أسرارها متقاصر ، فأعداؤه بفضله يكذبون ، وأولياؤه لأسراره ينكرون ، والعارفون به لسفن النجاة راكبون ، وأهل التوفيق والتحقيق لرحيق حبّه ينتهلون ، سكارى وهم صاحون ، واسمهم العالون وهم العالون ، وسكرهم أنهم عرفوا أن عليا مولى الأنام ، وأن له الحق على الرب والسلام ، وعلى السيد الإمام ، وعلى البيت الحرام ، وعلى الشرع والأحكام ، وعلى الرسل الكرام ، وعلى الملائكة العظام ، ومن المؤمنين في القيام وعلى الجنة ودار الانتقام ، وعلى الخاص والعام.
فإن كبر عليك هذا المقام ؛ فقد ورد في صحيح الأخبار عن الأئمة الأبرار ، الذين حبّهم النور الأكبر أن حق المؤمن عند الله أعظم من السّموات والأرض ، ومن الكبريت الأحمر. وإذا كان هذا حق المؤمن فكيف حق أمير المؤمنين عليهالسلام؟
أما حقّه على الله فأنّ بساعده وصارمه قامت قناة الدين ، ودان به الناس لرب العالمين ، وإليه الإشارة بقوله : «ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين» (٢).
فهذه ضربة واحدة بسيفه في الله قاومت أعمال الجن والإنس.
وأمّا حقّه على الرسول فإنّه ساواه بنفسه وواساه بمهجته ، وخاض دونه الغمرات وكشف عن وجهه الكربات ، فهو أسده الباسل وليثه الحلاحل.
وأما حقّه على الإسلام فإنّه به اعشوشب واديه ، واخضوضر ناديه ومدّت في الآفاق أياديه ، وأما حقّه على الشرع والأحكام فبه وضحت الدلائل وحقّقت المسائل ، وأقمرت
__________________
(١) تقدّم الحديث.
(٢) الفردوس : ٣ / ٤٥٥ ح ٥٤٠٦ ، والمستدرك : ٣ / ٣٢.