وقوله : (وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (١) ، فالذي له ذنب من أين له طهارة؟ والممدوح في الطهارة بالصدر من أين له ذنب ، أما قوله يطهّركم تطهيرا فحق ، لأنّهم خلقوا من نور الجلال ، واختصوا بالعصمة والكمال ، فالمعصوم الكامل من أين له ذنب؟
أما مثل هذا في الدعوات ، فمنه قول زين العابدين عليهالسلام وهو سيّد من عبد وابن سيّد من عبد من الأوّلين والآخرين في دعائه : «ربي ظلمت وعصيت وتوانيت» ، فإذا كان ظلوما جهولا كيف يكون سيّدا معصوما ، وهو سيّد معصوم فكيف يكون ظلوما جهولا؟
أقول : معنى قوله عليهالسلام إنه يقول : ربي إن شيعتنا لما خلقوا من فاضل طينتنا ، وعجنوا بماء ولا يتنا ، رضونا أئمة ، ورضينا بهم شيعة ، يصيبهم مصابنا ، وتنكبهم أو صابنا ويحزنهم حزننا ، ونحن أيضا نتألّم لتألمهم ، ونطلع على أحوالهم ، فهم معنا لا يفارقونا (٢) ، لأن مرجع العبد إلى سيده ومعوله على مولاه ، فهم يهجرون من عادانا ، ويجهرون بمدح من والانا.
وصدّق ما دللت عليه ما أورده ابن طاووس في كتاب مهج الدعوات ، حكاية عن خليفة الله قائم آل محمد وخاتمهم ما هذا معناه ، قال : ولقد سمعته سحرا بسر من رأى يدعو فيقول من خلف الحائط : اللهمّ أحي شيعتنا في دولتنا ، وأبقهم في ملكنا ومملكتنا ، وإن كان شيعتهم منهم وإليهم وعنايتهم مصروفة إليهم ، فكأنه عليهالسلام قال : اللهمّ إن شيعتنا منّا ومضافين إلينا ، وإنهم قد أساءوا وقصروا وأخطأوا في العمل ، رأونا صاحبا لهم رضا منهم ، قد تقبلنا عنهم ذنوبهم ، وتحمّلنا خطاياهم ، لأن معولهم علينا ورجوعهم إلينا ، فصرنا لا ختصاصهم بنا واتكالهم علينا كأنا نحن أصحاب الذنوب ، إذ العبد مضاف إلى سيّده ، ومعول المماليك على مواليهم ، وملاذ شيعتنا إلينا ومعولهم علينا ، اللهم فاغفر لهم من الذنوب ما فعلوه اتكالا على حبنا ، وطمعا في ولايتنا ، وتعويلا على شفاعتنا ، ولا تفضحهم بالسيئات عند أعدائنا ، وولنا أمرهم في الآخرة كما وليتنا أمرهم في الدنيا ، وإن أحبطت السيئات أعمالهم فثقّل موازينهم بولايتنا وارفع درجاتهم بمحبتنا ، وهذا خيره كثير للمؤمن الموقن المصدق بأسرارهم (٣).
ولو لم يكن في كتابي هذا غير هذا لكفاك أن امتلأت من درر الاعتقاد كفاك ، وإلّا دراك ،
__________________
(١) الأحزاب : ٣٣.
(٢) بحار الأنوار : ٥٣ / ٣٠٢.
(٣) راجع بحار الأنوار : ٥٣ / ٣٠٢.