التابعين لهم هم أهل النجاة ، ولهم في معرفتهم الحسنات.
ولقد رأيت في دهري عجبا رجلا من أهل الفتوى ، عالما من أهل الدعوى ، قد سئل عن أمير المؤمنين : أيعلم الغيب؟ فعظم عليه السؤال ، وكبر لديه هذا المقال ، وقال : لا يعلم الغيب إلّا الله.
ثم رأيته بعد ذاك باعتقاد جازم ، وعقل عادم ، ولحية نفيشة ، وعقل أخف من ريشة ، قد جلس إلي جنب أفّاك أثيم ، وقال له : كيف ترى حالي في هذه السنة ، وكيف طالعي ، وهل على نقص أم زيادة ، وكيف تجد رملي على ماذا يدل؟ فلمّا قال له حشوا من الكذب صدّقه واعتقده ، فقام يصدّق الكهّان ، ويطعن في وليّ الرحمن. وجاء يكذّب الإمام المعصوم الذي برأه الله من الذنوب ، وأطلعه على الغيوب ، ويصدق الأفاك الأثيم في تعجيله وتأخيره.
فانظر إلى غيب الأذهان كيف يشرون الكذب بالإيمان ، وتصديق قول الكهان ، ويرتابون في قول سفير القرآن ، ويدّعون بعد ذلك الإيمان ، وأنى لهم الإيمان ، وهم مرتابون في قول العلي العظيم ، ويصدّقون قول الأفاك الأثيم.
فصل
ومن أين للمنجم معرفة علم حجب الوصي! وهل يخدع بالفال إلّا عقول الأطفال؟ هذا ومولاهم عن ذلك قد نهاهم ، وهم مع النهي البليغ للكاهن المنجم يعتقدون ، ولكذبه يصدّقون ، وبإفكه يفرحون ، ولما حذّرهم يحذرون ، ولإمامهم يكذبون ، وفي أقواله يرتابون ، ولفضله ينكرون ، ولمن رواه يعادون ويتّهمون ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
ولما رويت حكاية سلمان ، وأنه لما خرج عليه الأسد قال (١) : يا فارس الحجاز أدركني ، فظهر إليه فارس وخلّصه منه ، وقال للأسد : أنت دابته من الآن. فعاد يحمل له الحطب إلى باب المدينة امتثالا لأمر علي عليهالسلام ، فلما سمعوا قالوا هذا تناسخ. وقالوا وأين كان علي هناك؟ وكيف كان قبل أن يكون؟ وأقبلوا ينكرون ما هم له مصدّقون ولا يشعرون.
__________________
(١) مدينة المعاجز : ٢ / ١١.