ما خلق الله نوري ، ثم عصره فخلق منه أرواح الأنبياء ، ثم عصره عصرة أخرى فخلق منه الشمس والقمر وسائر النجوم (١).
فليت شعري ماذا أنكر من أنكر؟ أأنكر وجوده قبل الأشياء ، أم أنكر قدرته على الظهور فيما يشاء ، ومن أنكر الأول فهو أعور ، ومن أنكر الثاني فإما أن يعمى أو يبصر! أما تنظر إلى الماء إذا أفرغ في الأواني الزجاجية ذات الألوان كيف يتلون بألوانها للطفه وبساطته ، والمادة الشفافة إذا أدنيتها إلى خط مرقوم فإنّك تقرأه منها ، والقمر إذا طل على البحر فإنك تراه في أفق السماء وفي قعر الماء ، ومحمد وعلي هما البحر اللجي ، والماء الذي منه كل شيء حي ، والكلمة التي بها ظهر النور ، ودهرت الدهور ، وتمّت الأمور ، إلى يوم النشور.
ويكفي في هذا الباب قولهم : أمرنا صعب مستصعب لا يحمله نبي مرسل ولا ملك مقرّب (٢).
وإذا كان أمرهم وسرّهم لا يحمله الملائكة المقرّبون ، ولا الأنبياء والمرسلون ، وسكّان الحضرة الإلهية لا يعرفون ، فكيف رددتم ما لم تحيطوا به خبرا وكذبتموه؟ ألم تعلموا أنهم الشجرة الإلهية التي كل الموجودات أوراقها وألفاقها؟ والسرّ الخفي المجهول الذي لا تدركه الأفهام والعقول ، ولله در أبي نؤاس إذ يقول :
لا تحسبني هويت الطهر حيدرة |
|
لعلمه وعلاه في ذوي النسب |
ولا شجاعته في كل معركة |
|
ولا التلذذ في الجنات من أربي |
ولا التبرأ من نار الجحيم ولا |
|
رجوته من عذاب الحشر يشفع بي |
لكن عرفت هو السرّ الخفي فإن |
|
أذعته حللوا قتلي ... |
ومن ذاك ما رواه المقداد بن الأسود قال : قال لي مولاي يوما آتني سيفي ، فجئته به ، فوضعه على ركبتيه ، ثم ارتفع في السماء وأنا أنظر إليه حتى غاب عن عيني ، فلما قرب الظهر نزل وسيفه يقطر دما ، قلت : يا مولاي أين كنت؟
__________________
(١) راجع البحار : ١٥ / ٢٤ و : ٢٥ / ٢٢.
(٢) بحار الأنوار : ٢ / ١٨٤ ح ٦ والبصائر ٢٢ ح ١٠ وفيه : لا يتحمله.