خاتمة
في ختم هذه الرسالة وبيان هذه المقالة ، اعلم أن الذي دعاني إلى كشف هذه الأسرار ، وحملني على قطف هذه الأزهار وإبراز هذه الأبكار من خدور الأفكار ، وكان حقها أن تصان ولا تذاع فتهان ، لأن الحرام كالحرام إظهار الخواص للعوام ، أني لما رويت من أسرار أئمة الأبرار دررا ، وجلوت منها غررا ، تؤمن معرفتها من العذاب ، وتدخل الجنة بغير حساب ، لأنها خط ممّا خط على خطط الجباه ، ورقم رقم حبّها على ألسنة العقول والأفواه ، ولا ينشق ريّاها إلّا كل حليم أواه ، وأخذ لها العهد على النسمات في الأزل وختم فرضها على البريات ولم يزل ، فلما ندّ ندها وفاح شذاها ندّ بالأفكار ندّها ومل شداها ، حتى صار المنافق يهجرها ولا ينشق ريّاها ، والموافق ينكرها ولا يخاف الله عقباها ، وهي لهداها إلى الحق أحق أن يتّبع وعيباهى ولتناهى (١) بلسان الصدق أصدق ما يسمع ، فأصبحت مع عظيم الحاجة إليها لا تحنو القلوب عليها ولا تحن الطبائع إليها ، فاعجب لها كيف لا يركب نهجها وفاز في سفينة النجاة ، ولا تتطلب وهي عين الحياة مع تقاطر الأيدي والمتاجر دفع طيبها وطيب عرقها ، تلحظها العيون بأهداب الحقد ، تلفظها الفنون بأفواه الرفض ، وهي أنفس نفيس بحيث إنّها تتنافس فيه النفوس ، فصارت تبعدها عن الأذهان بكذب فيها وبهتان ، فكانت كما قيل :
ومن العجائب أنه لا يشتري |
|
وقع الكساد يخان فيه ويسرق |
وأقبل الحسّاد واللوام ، كلّ يغض على عين البغضاء ، ويغض عن طرق اللأواء والأحناء ، وليس عليّ في مجمع الفرقان عيوب ، ولا في صحيفة اللواء ذنوب ، غير حبي لعلي ، ونشري لصحائف أسراره ، فإذا كان هذا هو الذنب ، وعليه وفيه العتب ، فحبذا ذنب هو أعظم الحسنات وسبيل النجاة ، وعتب هو أحلى من نسمات الحياة عند ذكر الملمات ، وذكر ذنب منه لا أتوب ، وعيب منه لا أؤوب ، بل أقول كما قال قيس عامر :
__________________
(١) كذا بالأصل.