فصل
[الوجود المطلق والمقيّد]
الوجود قسمان : خاص ، وعام ، وجنس الوجود معول عليه ، وفصل الإمكان والوجوب فارق بينهما ومميّز لهما فالوجود المطلق وجود الحق سبحانه الذي وجوده عين ذاته ، ونفس حقيقته ، فهو لم يزل ، ولا يزال ، أحدا أبدا. ووجود ما عداه منه وبه وعنه ، فهو الوجود المقيّد ، وذات الحق سبحانه غير معلومة للبشر ، وإلّا لأحاط الممكن بالواجب ، وهو محال ، وأين التراب وربّ الأرباب ، فلم يبق إلّا معرفة الوجود المقيّد ، وحقيقته هي النقطة التي تبيناها وإليها معرفة العارفين ، وسلوك السالكين ، وهو عين اليقين ، وحق اليقين ، ولها اعتبارات : فهي النقطة ، وهي الفيض الأوّل ، وهي العقل ، وهي النور الأوّل ، وهي علّة الموجودات ، وحقيقة الكائنات ، ومصدر الحادثات ، دليل ذلك من القدسيات ، قوله : «كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف ، فخلقت الخلق لأعرف» (١).
فيا عجبا ممّن كان خفاؤه ولا شيء معه. فقوله : كنت كنزا مخفيا ، أي في سواتر الغيوب ؛ إذ ليس هناك خلق يعرفه ، وذاك إشارة إلى وحدة الذات ، كان الله ولا معه شيء.
وقوله : «فأحببت أن أعرف» إشارة إلى ظهور الصفات. قوله : «فخلقت الخلق لأعرف» إشارة إلى ظهور الأفعال ، وانتشار الموجودات ، التي كانتا رتقا في صحراء ففتقناهما.
قوله : «وهو الآن على ما كان» إشارة إلى أنّه أحد أبد ، لم يتكثّر بخلقه ، لأنّه هو هو ، فكما تجلّت ذاته المقدّسة في صفة من صفات الألوهية مدحت بها ، وللأفعال وجود بين عدمين ، والوجود بين العدمين في حيّز العدم إن كان من وجود فليس إلّا الله وحده ، ولذلك قال الحلاج : من لا حظ الأزلية والأبدية ، وغمض عينيه عمّا بينهما ، فقد أثبت التوحيد ، ومن غمض عينه عن الأزلية والأبدية ولا حظ بينهما ، فقد أتى بالعبادة ، ومن أعرض عن البين
__________________
(١) بحار الأنوار : ٨٧ / ١٩٩ ح ٦.