الثاني ، فصح بذلك التوحيد ، ولهذا قيل : من عرف طبيعة العدد عرف إتقان الحكمة ، وأمّا إبطال الاثنين والثلاثة فإنّ الواحد الحق لا يتجزّأ إذ لو تجزأ لا نقسم ، والمنقسم ليس بإله ، وأما الواحد الذي فاض عن الأحد المشار إليه بالعظمة الذي هو مبدأ كل موجود فهو العقل الأوّل ، فعلم العدد الدال على معرفة الواحد الأحد هو أصل العلوم ومبدأ المعارف ، وتقدّمه على سائر العلوم ، كتقدّم العقل على سائر الموجودات ، وكما أن جميع الأشياء موجودة في العقل بالقوّة فكذلك كل العلوم موجودة في العدد ، وصورتها مطابقة لصور الموجودات ، فله صورة البسائط بالقوة ، وصورة المركبات بالفعل ، فلذلك كان علم العدد من الإشارات العقلية لأنه يقود النفس إلى علم التوحيد والإقرار بالمبدع الأوّل فهو العقل الذي نزعت منه المقولات ، وهو شجرة اليقين ، ومبدأ الشرع والدين ، عليه ثبتت الصلاة ، ومنه عرفت العبادات ، وبه تعرف أدوار الزمان ، وهو هلال العارفين ومبدأ كل مقال ؛ أوّله مطابق لآخره ، وآخره مطابق لأوّله ، فأوّله الواحد الذي لا أوّل له فيعرف ، وآخره الواحد الذي لا نهاية له فيوصف.
فصل
[حقيقة النقطة وأنّها الفيض الأوّل]
وكذلك الأسماء الإلهية فإنّ مرجعها إلى الاسم المقدّس ، فهو جامع لشملها ، وشامل لجمعها ، متجلّ في أحدها ؛ ونهاية الحروف النقطة فتناهت الأشياء بأسرها إلى النقطة ودلّت عليها ، ودلّت النقطة على الذات ، وهذه النقطة هي الفيض الأوّل الصادر عن ذي الجلال المسمّى في أفق العظمة والجمال بالعقل الفعّال ، وذاك هو الحضرة المحمدية ؛ فالنقطة هي نور الأنوار ، وسرّ الأسرار ، كما قال أهل الفلسفة : النقطة هي الأصل والجسم حجابه ، والصورة حجاب الجسم ، والحجاب غير الجسد الناسوتي. دليله من صريح الآيات قوله تعالى : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ) (١) ، معناه منوّر السّموات ، فالله اسم للذات والنور من صفات الذات ، والحضرة المحمدية صفة الله وصفوته ، صفته في عالم النور ، وصفوته في عالم الظهور ، فهي
__________________
(١) النور : ٣٥.