«لولاك لما خلقت الأفلاك» (١) فعلم أن صدور الأفعال عن الصفات ، وصدور الصفات عن الذات ، والصفة التي هي إمام الصفات في ظهور الموجودات ، هي الحضرة المحمّدية فهي عين الوجود وشرف الموجود وهي النقطة الواحدة التي هي صفة الأحد والجمال ، الصادرة عن الجلال ، والنور المبتدع من سحاب العظمة المشعشع من فيض قدس الرحمة وهي عرش النور والكتاب المسطور واللوح المحفوظ وأوّل الظهور ، وختم الأيام والدهور.
يؤيّد ذلك ما ورد عن أمير المؤمنين عليهالسلام أنّه سئل : هل رأيت في الدنيا رجلا؟ فقال : رأيت رجلا وأنا إلى الآن أسأل عنه. فقلت له : من أنت؟
فقال : أنا الطين. فقلت : من أين؟
فقال : من الطين. فقلت : إلى أين؟ فقال : إلى الطين. فقلت : من أنا؟
فقال : أبو تراب. فقلت : أنا أنت. فقال : حاشاك ، حاشاك ، هذا من الدين في الدين ، أنا أنا ، وأنا أنا ، أنا ذات الذوات ، والذات في الذوات الذات ، فقال : عرفت. فقلت نعم. فقال : فامسك.
فأقول : في حل هذا الرمز الشريف إشارة إلى خطاب عالم اللاهوت مع عالم الناسوت ، وهو الروح للجسد ليبيّن للناس الفرق بين هيكل قدسه وسرّ نفسه ، فقوله : رأيت رجلا ، وأنا أسأل إلى الآن عنه. وذلك لأن الروح لم تزل لها تعلّق بالجسد ونظر إليه لأنه بيت غربتها ، ومسكن كربتها ، ومركب سيرها ، وسرير تحصيلها ، والثاني أن العارف أبدا يجب عليه أن يعرف الفرق بين مقام التراب وسرّ ربّ الأرباب ، لأنّه إذا عرف نفسه عرف ربّه ، لأنّه إذا عرف نفسه بالحدوث ، والفقر ، والمسكنة ؛ عرف ربّه بالعزّة والكبرياء ، والعظمة. وقوله : أنا الطين ، إشارة إلى أن العارف ، لم يزل في مقام الفقر والإقرار بالحدوث والعجز. وقوله : من أنا؟ لما أقر الجسد بالمعرفة ، والحدوث والإمكان ، والموت ، والرجوع إلى عنصره ومعدنه ، وتلاشيه وتحلله بعد تركيبه.
وقوله : أنت أبو تراب ، يشير به إلى معنيين : خاص ، وعام. فالأوّل معناه أن المراد من الأب المربّي والمرشد ، والروح قيم هذا الجسد ومربيه ؛ والثاني أن أبا تراب هو الماء ، والمراد به :
__________________
(١) الفوائد المجموعة : ٣٢٦ ، وجامع الأسرار : ٣٨١ ح ٧٥٨.