أنت أبو الأشياء ومبدأها وحقيقتها ومعناها ، لأنّ الكلمة الكبرى عنها برزت الموجودات ، وهي سرّ سائر الكائنات.
وقوله : فقلت له : أنا أنت. يعني أنا مثلك ميّت ومركّب. فقال : حاشاك ، حاشاك ، أنا أنا ، وأنا أنا ، يعني ابن التراب والنور.
وقوله : أنا ذات الذوات ، والذات في الذوات للذات ، صرّح بإظهار السرّ المكنون ، والكلمة المتعلّقة بطرفي «كن فيكون» ، وذلك أنه اسم الله الأعظم وحقيقة كل كائن وأنه ذات كل موجود لذات واجب الوجود لأنّه سرّه وكلمته وأمره ووليّه على كلّ شيء ، وذلك أمر خصّه الله به ؛ لأنّه هو هو ، بل إنه كلمة الله وآيته وسرّه.
فبان بحل هذا المبهم كفر الغالي والقالي ، وسلوك التالي والموالي ، ووصول العارف العالي ، فعلي سرّ الله في الكل ووليه على الكل ، لأن الربّ سبحانه سلم ما أوجده بإرادته ، وخلقه بقدرته ومشيئته ، إلى وليّه وكلمته ، فقد سلم ما صدر منه إليه لأن المولى الولي مقامه في الخلق مقام الربّ العلي وإليه الإشارة بقوله : «لا فرق بينهم وبينك إلّا انّهم عبادك وخلقك» (١).
وقوله في الدعاء : «جئت بك إليك» يعني جئت بصفاتك إلى ذاتك ، وبعدلك إلى عفوك.
وقوله له : فقال : عرفت ، فقلت نعم ، فقال : فامسك.
هذا إشارة إلى أن الإنسان إذا عرف أن عليّا هو السرّ الخفي ، وجب عليه الإمساك لقبول (٢) العقول عن هذا الإدراك.
__________________
(١) الإنسان الكامل : ١٢٨ ، والرسائل الثمانية : ٨٨.
(٢) لنبو ـ خ ل.