ربّا نؤوب إليه وقولوا فينا ما شئتم.
وقال عليهالسلام : اجعلونا مخلوقين وقولوا فينا ما شئتم فلن تبلغوا (١).
وأنّى لنا البلاغ مدية ما منحهم المولى سبحانه من فضائل ومآثر؟ وأنّى لنا الوقوف على غاية ما شرّفهم الله به من ملكات فاضلة ، ونفسيّات نفيسة ؛ وروحيّات قدسيّة ، وخلائق كريمة ، ومكارم ومحامد؟ فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام؟ أو يمكنه اختياره؟ هيهات هيهات ضلّت العقول ، وتاهت الحلوم ، وحارت الألباب ، وخسئت العيون ، وتصاغرت العظماء ، وتحيّرت الحكماء ، وتقاصرت الحلماء ، وحصرت الخطباء ، وجهلت الألبّاء ، وكلّت الشعراء ، وعجزت الأدباء ، وعييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه ، وفضيلة من فضائله ، وأقرّت بالعجز والتقصير ؛ وكيف يوصف بكلّه؟ أو ينعت بكنهه؟ أو يفهم شيء من أمره؟ أو يوجد من يقوم مقامه ويغني غناه؟ لا. كيف؟ وأنّى؟ فهو بحيث النجم من يد المتناولين ووصف الواصفين ، فأين الاختيار من هذا؟ وأين العقول عن هذا؟ وأين يوجد مثل هذا؟ (٢).
ولذلك تجد كثيرا من علمائنا المحقّقين في المعرفة بالأسرار يثبتون لأئمة الهدى صلوات الله عليهم كلّ هاتيك الشؤون وغيرها ممّا لا يتحمّله غيرهم ، وكان في علماء قم من يرمي بالغلو كلّ من روى شيئا من تلكم الأسرار حتى قال قائلهم : إنّ أوّل مراتب الغلوّ نفي السهو عن النبيّ صلىاللهعليهوآله. إلى أن جاء بعدهم المحقّقون وعرفوا الحقيقة فلم يقيموا لكثير من تلكم التضعيفات وزنا ، وهذه بليّة مني بها كثيرون من أهل الحقائق والعرفان ومنهم المترجم ، ولم تزل الفئتان على طرفي نقيض ، وقد تقوم الحرب بينهما على أشدّها ، والصلح خير.
وفذلكة المقام أنّ النفوس تتفاوت حسب جبلّاتها واستعداداتها في تلقّي الحقائق الراهنة ، فمنها ما تبهظه المعضلات والأسرار ، ومنها ما ينبسط لها فيبسط إليها ذراعا ويمدّ لها
__________________
(١) بصائر الدرجات للصفار وسوف يأتي.
(٢) من قولنا : «فمن ذا الذي يبلغ» إلى هنا مأخوذ من حديث رواه شيخنا الكليني ثقة الإسلام في أصول الكافي ١ / ٩٩ عن الإمام الرضا صلوات الله عليه (هامش الغدير).