فصل
[منزلة الولي ومعاني الولاية]
وإلى هذا السرّ إشارة من كلامه البليغ في نهج البلاغة فقال : وهو يعلم أن محلّي منها محلّ القطب من الرحى (١) ، وهذه إشارة إلى انّه عليهالسلام غاية الفخار ومنتهى الشرف وذروة العزّ ، وقطب الوجود وعين الوجود ، وصاحب الدهر ووجه الحق وجنب العلى ، فهو القطب الذي دار به كل دائر وسار به كل سائر ، لأنّ سريان الولي في العالم كسريان الحق في العالم لأن الولاية هي الكلمة الجارية السارية فهي لكل موجود مولاه ومعناه ، لأن المولى هو الاسم الأعظم المتقبل لأفعال الربوبية والمظهر القائم بالأسرار الإلهية ، والنقطة التي أدير عليها بركار (٢) النبوّة فهي حقيقة كل موجود فهي باطن الدائرة والنقطة السارية السايرة ، التي بها ارتباط سائر العوالم ، وإلى هذا المعنى أشار ابن أبي الحديد فقال :
تقبلت أفعال الربوبية التي |
|
عذرت بها من شك أنك مربوب |
ويا علة الدنيا ومن بدء خلقها |
|
إليه سيتلو البدء في الحشر تعقيب (٣) |
فهو قطب الولاية ونقطة الهداية ، وخطة البداية والنهاية ، يشهد بذاك أهل العناية وينكره أهل الجهالة ، والعماية ، وقد ضمنه أمير المؤمنين عليهالسلام أيضا في قوله : «كالجبل ينحدر عنّي السيل ولا يرقى إليّ الطير» ، وهذا رمز شريف لأنّه شبه العالم في خروجهم من كتم العدم بالسيل وشبّه ارتفاعهم في ترقيهم بالطير لأنّ الأوّل ينحدر من الأعلى إلى الأدنى ، والثاني يرتفع من الأدنى إلى الأعلى فقوله ينحدر عنّي السيل إشارة إلى أنّه باطن النقطة التي عنها ظهرت الموجودات ولأجلها تكوّنت الكائنات ، وقوله «ولا يرقى إليّ الطير» إشارة إلى انّه
__________________
(١) في خطبته الشقشقية راجع نهج البلاغة الخطبة الثالثة.
(٢) فركار خ ل.
(٣) الصراط المستقيم : ١ / ١٦٩ الفصل الرابع.