باعا ، وبطبع الحال أنّ الفئة الأولى لا يسعها الرضوخ لما لا يعلمون ، كما أنّ الآخرين لا تبيح لهم المعرفة أن يذروا ما حقّقوه في مدحرة البطلان ، فهنالك تثور المنافرة ، وتحتدم الضغائن ، ونحن نقدّر للفريقين مسعاهم لما نعلم من نواياهم الحسنة وسلوكهم جدد السبيل في طلب الحقّ ونقول :
على المرء أن يسعى بمقدار جهده |
|
وليس عليه أن يكون موفّقا |
ألا إنّ الناس لمعادن كمعادن الذهب والفضة (١) وقد تواتر عن أئمة أهل البيت عليهمالسلام : أنّ أمرنا ـ أو حديثنا ـ صعب مستصعب لا يتحمّله إلّا نبيّ مرسل أو ملك مقرّب ، أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان (٢).
إذن فلا نتحرّى وقيعة في علماء الدين ولا نمسّ كرامة العارفين ، ولا ننقم من أحد عدم بلوغه إلى مرتبة من هو أرقى منه ، إذ لا يكلّف الله نفسا إلّا وسعها. وقال مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام : لو جلست أحدّثكم ما سمعت من فم أبي القاسم صلىاللهعليهوآله لخرجتم من عندي وأنتم تقولون : إنّ عليا من أكذب الكاذبين (٣).
وقال إمامنا السيّد السجّاد عليهالسلام : لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله ، ولقد آخى رسول الله صلىاللهعليهوآله بينهما فما ظنّكم بسائر الخلق (٤) (وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى ، وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً).
وإلى هذا يشير سيّدنا الإمام السجّاد زين العابدين عليهالسلام بقوله :
إنّي لأكتم من علمي جواهره |
|
كيلا يرى الحقّ ذو جهل فيفتتنا |
وقد تقدّم في هذا أبو حسن |
|
إلى الحسين وأوصى قبله الحسنا |
فربّ جوهر علم لو أبوح به |
|
لقيل لي : أنت ممّن بعبد الوثنا |
__________________
(١) حديث ثابت عند الفريقين (هامش الغدير).
(٢) بصائر الدرجات للصفار : ٦ ، أصول الكافي : ١ / ٢١٦.
(٣) منح المنّة للشعراني : ١٤.
(٤) بصائر الدرجات للصفّار : ٧ آخر الباب الحادي عشر من الجزء الأوّل وأصول الكافي لثقة الإسلام الكليني : ١ / ٢١٦.