ليس غير ، وذلك لأنّ الإنسان المفكّر والمتحلي بالفضائل يرى أنّ نعمتي السمع والبصر من أهم الأُمور الأساسية لكماله ، والنقطة الجديرة بالذكر أنّ صفتي العمى والصمم ليس لهما واقعية حقيقية في العين أو الأُذن ، فما العمى أو الصمم ـ في الواقع ـ سوى حالة الفقدان والعدمية.
ومن ملاحظة هذه النقطة ومقارنة كلّ الأُمور والموارد المعدودة من الشرور مع المثال المذكور يتبين لنا أنّ الشر ملازم لنوع من العدم الذي لا يحتاج إلى موجد وفاعل ، بل هو عين ذلك الفقدان ، فكلّ البلايا والشرور والقبائح إنّما تكون شروراً وأُموراً غير مرغوب فيها ، لكونها فاقدة لنوع من الوجود أو مستلزمة لنوع من العدم.
وعلى هذا الأساس فإنّ الحيوانات المفترسة والضارة إنّما تكون شراً ، لأنّها تجر إلى فقدان سلسلة من الأُمور والجهات الوجودية ، لأنّ هذه الموجودات ـ الحيوانات المفترسة والمضرة والآفات ـ توجب الموت وفقدان الحياة أو فقدان عضو من الأعضاء أو قوة من القوى ، أو تتسبّب في منع نمو القابليات والاستعدادات ، فلو كانت هذه الشرور كالزلازل والآفات الحيوانية والنباتية لا تنطوي على مثل هذه النتائج لما عدّت من الشرور ولما كانت أُموراً قبيحة غير مطلوبة.
وعلى هذا فإنّ الموت والجهل والفقر والحرمان إنّما تكون شروراً لكونها ترافق أنواعاً من العدم ، فالعلم كمال وواقعية يفقدها الجاهل ، والحياة حقيقة وكمال يفقدها الميت ، والفقير هو من يفتقد المال الذي يوفر له سبل العيش.
وخلاصة القول : إنّه لا يوجد في هذا العالم إلّا نوع واحد من الموجودات وهو ما يكون خيراً وجميلاً وحسناً ، وأمّا الشرور فهي من نوع العدم ، والعدم